عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٦٨
مفتوحة الراء، وهي الوطء وحاجة النفس، وقد يكون الإرب، الحاجة أيضا، والأول أميز، وكذا حكاه صاحب (الواعي) وأما ابن سيده وابن عديس في كتاب (الباهر) فقالا الإرب بكسر الهمز جمع إربه، وهي الحاجة، وقال أبو جعفر النحاس: أخطأ من رواه بكسر الهمزة. قال: وإنما هي بفتحها. وفي (مجمع الغرائب) لعبد الغافر هو في الكلام معروف الإرب والإربة بمعنى الحاجة، فإن كان الأول محفوظا، يعني في حديث عائشة ففيه ثلاث لغات، الإرب والأرب والإربة، والإرب يكون بمعنى العضو فيحتمل أنها أراد كان، أملككم لعضوه، لأنها ذكرت التقبيل في الصوم وفي (المغيث) لأبي موسى: أرب في الشيء رغب فيه، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيرهممن يحوم حول الحمى، وكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره.
ذكر استنباط الأحكام منها: جواز مباشرة الحائض فيما فوق الإزار، وقد مر الكلام فيه مستوفي ومنها: أن الحائض لا بد لها من الاتزار في أيام حيضها، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بذلك، وذلك لتمتنع المرأة به عن الجماع، وروى أبو داود عن ميمونة، رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى اتصاف الفخذ أو الركبتين تحتجز به) أي: بالإزار عن الجماع في رواية محتجزه به، أي: حال كون المرأة ممتنعة به عن الجماع، وأصله من حجزه يحجزه حجزا أي: منعه من باب: نصر ينصر، ومنه الحاجز بين الشيئين، وهو الحائل بينهما. ومنها: أن هذه المباشرة إنما تجوز له إذا كان يضبط نفسه ويمنعها من الوقوع في الجماع، وإن كان لا يملك ذلك فلا يجوز له ذلك، لأن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وعليه بعض الشافعية، واستحسنه النووي. ومنها: أن التقييد بقولها: في فور حيضتها، يدل على الفرق بين ابتداء الحيض وما بعده، ويشهد لذلك ما رواه ابن ماجة في (سننه) بإسناد حسن عن أم سلمة، رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم: (كان يتفي سورة الدم ثلاثا ثم يباشرها بعد ذلك) ولا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على المباشرة مطلقا، لأنها تجمع بينها على اختلاف الحالتين، والله تعالى أعلم.
تابعه خالد وجرير عن الشيباني أي تابع علي بن مسهر خالد بن عبد الله الواسطي في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق الشيباني، وقد وصلها أبو القاسم التنوخي من طريق وهب بن بقية عنه. قوله: (وجرير) عطف على: خالد، أي: وتابعه أيضا جرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن الشيباني عن عبد الرحمن، وقد وصل هذه المتابعة أبو داود، وقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وقال: حدثنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا، وأيكم كان يملك إربه؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه) رواه الإسماعيلي والحاكم في (مستدركه) أيضا قوله: (في فوح حيضتنا) فوح الحيض، بالفاء والحاء المهملة، معظمة وأوله، مثله، فوعة الدم، يقال: فاع وفاح بمعنى واحد، وفوعة الطيب أول ما يفوح منه، ويروي بالغين المعجمة وهو لغة فيه، وفي رواية البخاري ومسلم: (في فور حيضتنا) كما ذكرناه.
303 حدثنا أبو النعمان قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الشيباني قال حدثنا عبد الله ابن شداد قال سمعت ميمونة تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي المعروف بعارم. الثاني: عبد الواحد بن زياد البصري. الثالث: أبو إسحاق الشيباني. الرابع: عبد الله بن شداد، بتشديد الدال ابن الهاد الليثي. الخامس: ميمونة، أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع. وفيه: السماع في موضع واحد وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية. وفيه: أن رواته ما بين بصري، وكوفي ومدني.
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»