عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٧١
حنيفة، والثاني قول الشافعي. وقيل: مسكنه الدماغ وتدبيره في القلب. قلت: وعن هذا قالوا: العقل جوهر خلقه الله في الدماغ وجعل نوره في القلب، تدرك به المغيبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة، وعند المتكلمين، العقل العلم، وقيل: بعض العلوم هي الضرورية، وقيل: قوة يميز بها حقائق المعلومات، وفي كتاب (الحدود) لأبي علي بن سينا، هو اسم مشترك لمعان عدة: عقل لصحة الفطرة الأولى في الناى، وهو قوة يميز بها بين الأمور القبيحة والحسنة، وعقل لما يكتسبه بالتجارب بين الأحكام تكون مقدمة يحصل بها الأغراض والمصالح، وعقل لمعنى آخر، وهذه هيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه، وأما الحكماء فقد فرقوا بينه وبين العلم، وقالوا: العقل النظري، وبالفعل والفعال، وتحقيقه في كتبهم، وإنما سمي: العقل، عقلا من قولهم: ظبي عاقل، إذا امتنع في أعلى الجبل، يسمى هذا به لأنه في أعلى الجسد بمنزلة الذي في أعلى الجبل. وقيل: العاقل: الجامع لأموره برأيه، مأخوذ من قولهم: عقلت الفرس إذا جمعت قوائمه وحكى ابن التين عن بعضهم: أن المراد من العقل الدية، لأن ديتها على النصف من دية الرجل. قلت: ظاهر الحديث يأباه.
بيان إعرابه قوله: (إلى المصلى) يتعلق بقوله: (خرج). قوله: (يتصدقن) مقول القول، والفاء، في: فاني، للتعليل قوله: (أريتكن) بضم الهمزة وكسر الراء على صيغة المجهول، والمعنى أراني الله إياكن أكثر أهل النار، وقال صاحب (التوضيح) أكثر، بنصب الراء على أن أريت، يتعدى إلى مفعولين. أو على الحال إذا قلنا أن أفعل لا يتعرف بالإضافة، كما صار إليه الفارسي وغيره وقيل: إنه بدل من الكاف في: أريتكن. انتهى قلت: نقل هذا من صاحب (التلويح) وليس كذلك، بل قوله: أريتكن متعد إلى ثلاثة مفاعيل: الأول التاء التي هي مفعول ناب عن الفاعل. والثاني:. قوله: (كن). والثالث:. قوله: (أكثر أهل النار) فإن قلت: في أين أريهن أكثر أهل النار؟ قلت: في ليلة الإسراء، وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، بلفظ (أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء) فإن قلت: ورد في الحديث، قال: لكل رجل زوجتان من الآدميين. قلت: لعل هذا قبل وقوع الشفاعة. قوله: (ويم يا رسول الله) قال بعضهم: الواو، استئنافية. قلت: للعطف على مقدر تقديره، ما دنبنا، وبم، الباء للسبيبة، وكلمة استفهامية. وقال الكرماني: حذفت الفها تخفيفا. قلت: يجب حذف ألف، ما الاستفهامية إذا جرت، وإبقاء الفتحة دليل عليها ونحوها، إلام، وعلام، وعلة حذف الألف، الفرق بين الاستفهام والخبر، فلهذا حذفت في نحو: * (فيم أنت من ذكراها) * (سورة النحل: 35) * (فناظرة بم يرجع المرسلون) * (سورة النازعات: 43) وأما قراءة عكرمة وعيسى: * (عما يتساءلون) * (سورة النبأ: 1) فنادر. قوله: (تكثرن اللعن) في مقام التعليل، وكان المعنى: لأنكن تكثرن اللعن، الإكثار، قال الطيبي: الجواب من الأسلوب الحكيم لأن قوله: (ما رأيت) إلخ زيادة، فإن قوله: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير) جواب تام، فكأنه من باب الاتتباع، إذا الذم بالنقصان استتبع للذم بأمر آخر غريب، وهو كون الرجل الكامل الحازم منقادا للنساء الناقصات عقلاء دينا. قوله: (من ناقصات عقل) صفة موصوف محذوف أي: ما رأيت أحدا من ناقصات. قوله: (أذهب) أفعل التفضيل من الإذهاب، هذا على مذهب سيبويه حيث جوز بناء أفعل التفضيل من الثلاثي المزيد فيه، وكان القياس فيه أشد إذهابا.
بقية ما فيه من المعاني والأسئلة والأجوبة قوله: (قلن وما نقصان ديننا) ويروي: (فقلن) بالفاء، وهذا استفسار منهن عن وجه نقصان دينهن وعقلهن، وفك لأنه خفى عليهن ذلك حتى استفسرن. وقال بعضهم: ونفس هذا السؤال دال على النقصان لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة: الإكثار والكفران والإذهاب، ثم استشكلن كونهن ناقصات. قلت: هذا استفسار وليس باستشكال، لأنهن بعد أن سلمن هذه الأمور الثلاثة، لا يكون عليهن إشكال، ولكن لما خفي سبب نقصان دينهن وعقلهن سألهن عن ذلك بقولهن: ما نقصان ديننا وعقلنا، والتسليم بهذه الأمور كيف يدل على النقصان، وبين، عليه الصلاة والسلام، ما خفي عليهن من ذلك بقوله: (أليس شهادة المرأة) إلى آخره؟ وهذا جواب منه، عليه الصلاة والسلام، بلطف وإرشاد من غير تعفيف ولا لوم، بحيث خاطبهن على قدر فهمهن، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، قوال النووي: وأما وصفه النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم فقد يستشكل معناه وليس بمشكل، فإن الدين والإيمان والإسلام مشترك في معنى واحد، فإن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه. قلت: دعواه الاشتراك في هذه الثلاثة غير مسلمة، لأن بينها فرقا لغة وشرعا، وقوله: زاد إيمانه أو نقص، ليس براجع إلى الذات، بل هو راجع إلى الصفة
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»