عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢١٤
ذكر لغاته ومعناه قوله: (ذكرته) أي: ذكرت قول ابن عمر لعائشة ولفظ في حديث الآخر الذي يأتي: (سألت عائشة رضي الله تعالى عنها، وذكرت لها قول ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا، فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقد بين مسلم أيضا في روايته عن محمد بن المنكدر، قال: (سألت ابن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما) فذكره وزاد، قال ابن عمر: (لأن اطلى بقطران أحب لي من أن أفعل ذلك) وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار، وقال الكرماني: (ذكرته) أي: قول ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرما انضخ طيبا، وكنى بالضمي عنه، لأنه معلوم عند أهل الشأن قلت: هذا كلام عجيب، فالوقوف على مثل هذا مختص بأهل الشأن، فإذا وقف أحد من غير أهل الشأن على هذا الحديث يتحير فلا يدري أي شيء يرجع إليه الضمير في قوله (وذكرته) وكان ينبغي للبخاري، بل كان المتعين عليه أن يقدم رواية أبي النعمان هذا الحديث على رواية محمد بن بشار، لأن رواية أبي النعمان ظاهرة، والذي يقف على رواية محمد بن بشار بعد وقوفه على رواية أبي النعمان لا يتوقف في مرجع الضمير، ويعلم أنه يرجع إلى قول ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وقال بعضهم: فكأن المصنف اختصره لكون المحذوف معلوما عند أهل الحديث في هذه القصة. قلت: هذا أعجب من ذلك، مع أنه أخذ ما قاله منه وقال أيضا أو حدثه به محمد بن بشار مختصرا قلت: فعلى هذا كان يتعين ذكره بعد ذكر رواية أبي النعمان كما ذكرنا قوله: (فيطوف على نسائه) قال بعضهم: هو كناية عن الجماع. قلت: يحتمل أن يراد به تجديد العهد بهن، ذكره الإسماعيلي، ولكن القرينة دلت على أن المراد هو الجماع، والدليل عليه قوله في حديث أنس الذي يأتي: (كان النبي الله يدور على نساءه في الساعة الواحدة من الليل والنهار) قوله: (ينضخ) بفتح الياء والضاد المعجمة بعدها خاء معجم، أي: يفور، ومنه قوله تعالى: * (فيهما عينان نضاختان) * (سورة الرحمان: 66) وهذا هو المشهور، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة، قاله الإسماعيلي، وكذا ضبطه عامة من حدثنا وهما متقاربان في المعنى. وقال ابن الأثير: وقد اختلف في أيهما أكثر، والأكثر بالمعجمة أقل من المهملة، وقيل: بالمعجمة الأثر يبقى في الثوب والجسد، وبالمهملة الفعل نفسه، وقيل: بالمعجمة ما فعل متعمدا. وبالمهملة من غير تعمد وذكر صاحب (المطالع) عن ابن كيسان أنه بالمهملة لما رق كالماء، وبالمعجمة لما ثخن كالطيب. وقال النووي: هو بالمعجمة أقل من المهلمة، عكسه، وقال ابن بطال: من رواه بالحاء فالنضخ، عند العرب كاللطخ، يقال: نضح ثوبه بالطيب، هذا قول الخليل، وفي كتاب (الأفعال) نضخت العين بالماء نضخا إذا فارت، واحتج بقوله تعالى: * (فيهما عينان نضاختان) * ومن رواه بالحاء فقال صاحب (العين) نضخت العين بالماء إذا رأيتها تفور وكذلك العين الناطرة إذا رأيتها مغروقة وفي الصحاح قال أبو زيد النضخ بلا عجام الرش مثل النضح، بالإهمال، وهما بمعنى. وقال الأصمعي: يقال: أصابه نضخ من كذا، وهو أكثر من النضخ بالمهملة. قوله: (طيبا) نصب على التميز.
ذكر استنباط الأحكام منه فيه: دلالة على استحباب الطيب عند الإحرام، وإنه لا بأس به إذا استدام بعد الإحرام، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهذا مذهب الثوري والشافعي وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين وجماهير المحدثين والفقهاء، فمن الصحابة: سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن الزبير ومعاوية وعائشة وأم حبيبة، رضي الله تعالى عنهم. وقال آخرون بمنعه منهم: الزهري ومالك ومحمد بن الحسن، وحكي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وادعى بعضهم أن هذا التطيب كان للنساء لا للإحرام، وادعى أن في هذه الرواية تقديما وتأخيرا، التقدير: فيطوف على نسائه ينضخ طيبا ثم يصبح محرما وجاء ذلك في بعض الروايات، والطيب يزول بالغسل لا سيما أنه ورد أنه كان يغتسل عند كل واحدة منهن، وكان هذا الطيب ذريرة كما أخرجه البخاري في اللباس وهو مما يذهبه الغسل، وتقويه رواية البخاري الآتية قريبا: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما) وروايته الآتية أيضا: (كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرقه وهو محرم). وفي بعض الروايات، بعد ثلاث، وقال القرطبي: هذا الطيب كان دهنا له أثر فيه مسك فزال وبقيت رائحته، وادعى بعضهم خصوصية ذلك بالشارع، فإنه أمر صاحب الجبة بغسله. قال المهلب، رحمه الله تعالى السنة اتحاد الطيب للنساء والرجال عند الجماع فكان صلى الله عليه وسلم املك لإربه من سائر أمته فلذلك كان لا يتجنب الطيب.
في الإحرام. ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذ الطيب أسباب الجماع. وفيه: الاحتجاج لمن لا يوجب الدلك في الغسل، لأنه لو كان ذلك لم
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»