عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢١
الإنكار عليهم إنما كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل، فلأجل ذلك قال: (ولا يمسح على القدمين).
فان قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ قلت: قد مر أن الباب السابق ذكر عقيب الذي قبله للمعنى الذي ذكرناه، فيكون هذا الباب في الحقيقة يتلو الباب الذي قبله، والمناسبة بينهما ظاهرة لأن كلا منهما مشتمل على حكم من أحكام الوضوء.
163 حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمر وقال تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عنا في سفرة سافرناها فادركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادي بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا.
(انظر الحديث: 60 وطرفه) مطابقة الحديث للترجمة تفهم من إنكار النبي صلى الله عليه وسلم مسحهم على أرجلهم، لأنه ما أنكر عليهم بالوعيد إلا لكونهم لم يستوفوا غسل الرجلين.
بيان رجاله وهم خمسة، قد ذكروا كلهم، وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي قد مر في باب من قال الإيمان هو العمل، وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: هو الوضاح اليشكري، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: جعفر بن أبي وحشية الواسطي، وماهك روي بكسر الهاء وفتحها منصرفا، وعبد الله بن عمرو بن العاص القرشي، وهذا الإسناد والحديث بعينهما قد تقدما في باب: من رفع صوته بالعلم، وفي باب: من أعاد الحديث ثلاثا في كتاب العلم بلا تفاوت بينه وبينهما إلا في الراوي الأول، فإنه موسى ههنا. وثمة في الباب الأول: أبو النعمان. وفي الباب الثاني: مسدد.
وقد ذكرنا في باب: من رفع صوته بالعلم، لطائف إسناده، وتعدد موضعه ومن أخرجه غيره، وبيان اللغات والإعراب والمعاني، وبيان وجه الاستنباط، فنذكر ههنا ما لم نذكره هناك.
قوله (سافرناها) هو رواية كريمة وليس هو بثابت في رواية غيره، وظاهره أن عبد الله بن عمرو كان في تلك السفرة، ووقع في رواية لمسلم: أنها كانت من مكة إلى المدينة، ولم يقع ذلك لعبد الله محققا إلا في حجة الوداع. أما غزوة الفتح فقد كان فيها، لكن ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى المدينة بل من مكة من الجعرانة، ويحتمل أن تكون عمرة القاضاء، فإنن هجرة عبد الله بن عمرو كانت في ذلك الوقت أو قريبا منه. قوله: (فأدركنا)، بفتح الكاف أي: لحق بنا رسول الله عليه الصلاة والسلام. قوله: (وقد أرهقنا العصر) بفتح الهاء والقاف: من الإرهاق، والعصر مرفوع به لأنه فاعل، هكذا رواية أبي ذر. وفي رواية بإسكان القاف ونصب العصر على المفعولية، ويقوي الأول رواية الأصيلي: (وقد أرهقتنا) بتأنيث الفعل وبرفع الصلاة على الفاعلية. قوله: (ويل للأعقاب من النار) قد قلنا: إن ويل، مرفوع بالابتداء وإن كان نكرة لأنه دعاء، واختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في (صحيحه) من حديث أبي سعيد مرفوعا: (ويل واد في جهنم). والألف واللام في: الأعقاب، للعهد لأن المراد المرئية من ذلك، وهذا حجة على من يتمسك به في إجزاء المسح، لأنه لم يوجب مسح العقب. وقال الطحاوي: لما أخرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منها لمعة دل على أن فرضها الغسل، واعترض عليه ابن المنير بأن التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل. قلت: هذا لا يرد عليه أصلا، لأن كلامه فيما يغسل، فأمره بالتعميم يدل على فريضة الغسل في المغسول، والرأس ليس بمغسول. فافهم .
وقد تواترت الأخبار عن النبي، عليه الصلاة والسلام، في صفة وضوئه أنه غسل رجليه، وهو المبين لأمر الله تعالى، وقد قال في حديث عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء: (ثم يغسل قدمية كما أمره الله تعالى)، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وانس، رضي الله تعالى عنهم، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين. والله أعلم.
28 ((باب المضمضة في الوضوء)) أي: هذا باب في بيان المضمضة في الوضوء.
والمناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على حكم من أحكام الوضوء.
قاله ابن عباس وعبد الله بن زيد رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا تعليق منه، ولكنه أخرج حديث ابن عباس موصولا في باب غسل الوجب باليدين، وكذا حديث عبد الله بن
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»