ومعانيه قوله: (كان إذا اغتسل) أي: كان إذا الثاني: راد أن يغتسل، وكلمة من في قوله: (من الجنابة) سبيبة يعني لأجل الجنابة فإن قلت: لم ذكر في ثلاث مواضع واضع بلفظ الماضي وهي قوله: (بدأ) و (فغسل) و (ثم توضأ) وذكر البواقي بلفظ المضارع وهي قوله: (يدخل) و (فيخال) و (يصب ويفيض). قلت: النكتة فيه أن إذا كانت شرطية الماضي بمعنى المستقبل، والكل مستقبل معنى، وأما الاختلاف في اللفظ فللإشعار بالفرق بما هو خارج من الغسل وما ليس كذكل، وإن كانتا ظرفية فما جاء ماضيا فهو على أصله، وعدل عن الأصل إلى المضارع لاستحضار صورته للسامعين. قوله: (بدأ فغسل يديه) هذا الغسل يحتمل وجهين: الأول: أن يكون لأجل التنظيف مما به يكره. الثاني: أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويشهد له ما في رواية ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام. (قبل أن يدخلهما في الإناء). قوله: (كما يتوضأ للصلاة) احترز به عن الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليدين فقط. فإن قلت: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يمسح رأسه في هذا الوضوء، وهو خلاف ما في الحديث. قلت: الصحيح في المذهب أنه يمسحها، نص عليه في (المبسوط) لأنه أتم للغسل. قوله: (فيخلل بها) أي بأصابعه التي أدخلها في الماء قوله: (أصول الشعر) وفي رواية الكشميهني: أصول شعره، أي شعر رأسه، وتدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام: (يحلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر) كذلك رواه البيهقي. قوله: (ثلاث غرف) بضم الغين المعجمة، جمع غرفة بالضم أيضا، وهي قدر ما يغرف من الماء بالكف، وفي بعض النسخ: غرفات والأول رواية الكشميهني، وهذا هو الأصح لأن مميز الثلاثة ينبغي أن يكون من جموع القلة، ولكن وجه ذكر: الغرف، أن جمع الكثرة يقوم مقام جمع القلة وبالعكس، وعند الكوفيين. فعل: بضم الفاء وكسرها من باب جموع القلة: لقوله تعالى: * (فأتوا بعشر سور) * (سورة هود: 13) وقوله تعالى: * (وثمانية حجج) * (سورة القصص: 27) قوله: (ثم يفيض) أي: يسيل من الإفاضة وهي الإسالة. قوله: (على جلده كله) هذا التأكيد بلفظ، الكل، يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل.
بيان استنباط الأحكام منها: أن قوله (كان صلى الله عليه وسلم) يدل على الملازمة والتكرار فدل ذلك على استحباب غسل يديه قبل الشروع في الوضوء، والغسل إلا إذا كان عليها شيء مما يجب إزالته فحينئذ يكون واجبا. ومنها: أن تقديم الوضوء قبل الغسل سنة، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب. ومنها: أن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (كما يتوضأ للصلاة) يدل على أنه لا يؤخلا غسل رجليه وهو الأصح من قول لشافعي. والقول الثاني: أنه يؤخر عملا بظاهر حديث ميمونه رضي الله تعالى عنها، كما يأتي إن شاء الله تعالى، وله قول ثالث: إن كان الموضع نظيفا فلا يؤخر، وإن كان وسخا أو الماء قليلا أخر جمعا بين الأحاديث، وعند أصحابنا إن كان في مستنقع الماء يؤخر وإلا فلا وهو مذهب مالك أيضا. ومنها: التخليل في شعر الرأس واللحية لظاهر قوله: (فيخلل أصول الشعر) وهو واجب عند أصحابنا، وسنة في الوضوء، وعند الشافعية واجب في قول: وسنة في قول. وقيل: واجب في الرأس وفي اللحية قولان للماليكة، فروى ابن القاسم عدم الوجوب، وروى أشهب الوجوب، ونقل ابن بطال في باب: تخليل الشعر، الإجماع على تخليل شعر الرأس، وقاسوا اللحية عليها. ومنها: أنه يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه كما هو في الحديث، وعن الشافعية استحباب ذلك في الرأس، وباقي الجسد مثله. وقال الماوردي والقرطبي من الماليكة: لا يستحب التثليث في الغسل، وقال القرطبي: لا يفهم من هذه الثلاث أنه غسل رأسه ثلاث مرات، لأن التكرار في الغسل غير مشروع لما في ذلك من المشقة، وإنما كان ذلك العدد لأنه بدأ بجانب رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم على وسط رأسه، كما جاء في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحوالحلاب، فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه، فقال بهما على رأسه) رواه البخاري وأبو داود على ما يجيء. ومنها: أن قولها (ثم يفيض الماء على جلده كله) لا يفهم منه الدلك، وهو مستحب عندنا وعند الشافعي وعند أحمد وبعض المالكية وخالف مالك والمزني فذهبا إلى وجوبه بالقياس على الوضو، وقال ابن بطال وهذا لازم. قلت: ليس بلازم، إذ لا نسلم وجوب الدلك في الوضوء ومنها جواز إدخال الأصابع في الماء.
249 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء بلصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى ثم أفاض