عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٦٥
إلى الصفة المحمودة حيث صار انتشاره كرائحة المسك، فافهم فإن هذا المقدار كاف.
بيان رجاله وهم خمسة: الأول: اختلفوا فيه أنه أحمد بن محمد بن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه، هكذا قاله الحاكم: أبو عبد الله، والكلاباذي والإمام أبو نصر حامد بن محمود بن علي الفزاري في كتابه (مختصر البخاري) وذكر الدارقطني أنه، أحمد بن محمد بن عدي عرف بشبويه، وقال: أبو أحمد بن عدي بن أحمد بن محمد عن عبد الله بن معمر، لا يعرف، ومردويه مات سنة خمس وثلاثين ومئتين وأخرج الترمذي والنسائي، وقال لا بأس وشبويه مات سنة تسع وعشرين أو ثلاثين ومائة، وروي عنه أبو داود الثاني: عبد الله بن المبارك الثالث: معمر، بفتح الميمين وسكون العين المهملة بالراء، ابن راشد تقدم في كتاب الوحي هو وابن المبارك. الرابع: همام، على وزن فعال بالتشديد ابن المنبه، بكسر الباء الموحدة بعد النون المفتوحة، تقدم في باب حسن إسلام المرء. الخامس: أبو هريرة رضي الله عنه.
بيان لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والأخبار كذلك في موضعين والعنعنة في موضعين. وفيه: رواته ما بين مروزي وبصري ومدني.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد وأخرجه مسلم أيضا في الجهاد وأخرجه ابن عساكر مضعفا عن أبي أمامه يرفعه، (والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله تعالى أعلم بمن يكلم) فذكره وفي لفظ (ما وقعت قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيل الله، أو قطرة دمع في سواد الليل لا يراها إلا الله تعالى).
بيان لغاته ومعناه قوله: (كلم) بفتح الكاف وسكون اللام قال الكرماني: أي جراحة، وليس كذلك، بل الكلم الجرح من كلمه يكلمه، كلما إذا جرحه، من باب: ضرب يضرب، والجمع: كلوم وكلام، ورجل كليم ومكلوم أي: مجروح، ومنه اشتقاق الكلام من الاسم والفعل والحرف. قوله: (يكلمه المسلم) بضم الياء وسكون الكاف وفتح اللام أي يكلم به فحذف الجار وأوصل المجرور إلى الفعل، والمسلم، مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فالعه. قوله: (في سبيل الله) قيد يخرج به ما إذا كلم الرجل في غير سبيل الله وفي رواية البخاري في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة: (والله تعالى أعلم بمن يكلم في سبيله). قوله: (كهيئتها) أي: كهيئة الكلمة وأنث الضمير باعتبار الكلمة وقال الكرماني: وتبعه بعضهم تأنيث الضمير باعتبار إرادة الجراحة. قلت: ليس، كذلك بل باعتبار الكلمة لأن الكلم والكلمة مصدران، والجراحة اسم لا يعبر به عن المصدر، مع أن بعضهم قال: ويوضحه، رواية القايسي عن أبي زيد المروزي عن الفريري كل كلمة يكلمها وكذا هو في رواية ابن عساكر. قلت: هذا يوضح ما قلت لا ما قاله. فافهم قوله: (إذ طعنت) أي: حين طعنت، وفي بعض النسخ وجميع نسخ مسلم: إذا طعنت) بلفظ: إذا مع الألف، قال الكرماني: فإن قلت: إذ للاستقبال ولا يصح المعنى عليه قلت: هو هاهنا لمجر، الظرفية، إذ هو بمعنى إذ وقد يتعاقبان أو هو لاستحضار صورة الطعن، إذ الاستحضار كما يكون بصريح لفظ المضارع، كما في قوله تعالى: * (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا) * (الروم: 248) يكون أيضا بما في معنى المضارع، كما نحن فيه وقال الكرماني: أيضا ما وجه التأنيث في طعنت المطعون هو المسلم قلت أصله طعن بها وقد حذف الجار لم أصل الضمير المجرود إلى الفعل وصار المنفصل متصلا قلت: هذا تعسف؟ بل التأنيث فيها باعتبار الكلمة، لما في هيئتها لأنها المطعونة في الحقيقة والذي إنما يسمى مطعونا باعتبار الكلمة والطعنة. قوله: (تفجر) بتشديد الجيم لأن أصله تنفجر، فحذفت إحدى التاءين كما في قوله: * (نار تلظى) * (فاطر: 9) فعله تتلظى، وقال الكرماني، تفجر، بضم الجيم من الثلاثي، وبفتح الجيم المشددة، وحذفت التاء الأولى منه من التفعل قلت: أشار بهذا إلى جوباز الوجهين فيه، ولكنه مبني على مجيء الرواية بهما قوله: (واللون) وفي بعض النسخ (اللون) بدون الواو، واللون من المبصرات وهو أظهر المحسومات حقيقة ووجودا، فذلك استغنى عن تعريفه وإثباته بالدليل، ومن القدماء من زعم أنه لا حقيقة للألوان أصلا ومنهم من ظن أن اللون الحقيقي ليس إلا السواد والبياض، وما عداهما إنما حصل من تركيبهما ومنهم من زعم أن الألوان الحقيقية خمسة: السواد، والبياض، والحمرة، والخضرة، والصفرة. وجعل في البوافي مركبة منها. (والدم) أصله: دم وبالتحريك، وإنما قالوا: دمي بدمي لأجل الكسرة التي قيل الياء كما لو إرضى يرضى من الرضوان. وقال سيبويه: أصله: دمى، بالتحريك وإن جاء جمعه مخالفا لنظائره، والذاهب منه الياء، والدليل عليها قولهم في تثنية دميان، وبعض العرب يقول في تثنيته دموان.
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»