ووكاءها) دليل بين على إبطال قول من ادعى علم الغيب في الأشياء كلها من الكهنة والمنجمين وغيرهم، لأنه، عليه الصلاة والسلام، لو علم أنه يوصل إلى علم ذلك من هذه الوجوه لم يكن في قوله في معرفة علاماتها وجه.
العاشر: إن صاحب اللقطة إذا جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت أنه صاحبها، فإن وجدها قد أكلها الملتقط بعد الحول، وأراد أن يضمنه كان له ذلك، وإن كان قد تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن يترك على أجرها، روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر، رضي الله عنهم، وهو قول طاوس وعكرمة وأبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري والحسن بن حي رحمهم الله.
الحادي عشر: احتجت الشافعية بقوله: (استمتع بها)، وبما جاء في بعض طرق الحديث: (فإن جاء من يعرفها وإلا فاخلطها بمالك). وفي بعضها: (عرفها سنة ثم أعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه). وبما جاء في مسلم: (فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها وكاءها فاعطها إياه، وإلا فهي لك). وفي بعض طرقه: (ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك. فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه)، على أن من عرفها سنة ولم يظهر صاحبها كان له تملكها، سواء كان غنيا أو فقيرا، ثم اختلفوا: هل تدخل في ملكه باختياره أو بغير اختياره؟ فعند الأكثرين تدخل بغير الاختيار، وقد مر الكلام فيه عن قريب مستوفى.
92 حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس: (سلوني عما شئتم) قال رجل: من أبي؟ قال: (أبوك حذافة) فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله! فقال: (أبوك سالم مولى شيبة). فلما رأى عمر ما في وجهه قال: رسول الله! إنا نتوب إلى الله عز وجل.
(الحديث 92 طرقة في: 7291).
مطابقة الحديث للترجمة في قوله: (فلما أكثر عليه غضب).
بيان رجاله: هم خمسة قد ذكروا أعيانهم بهذه السلسلة في: باب فضل من علم وعلم، وكلهم كوفيون، وأبو أسامة حماد بن أسامة. وبريد، بضم الباء الموحدة: ابن عبد الله، وأبو بردة، بضم الباء الموحدة، عامر بن أبي موسى، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري ههنا عن أبي كريب محمد بن العلاء، وفي كتاب الاعتصام في: باب ما يكره من كثرة السؤال، عن يوسف بن موسى، وفي الفضائل عن أبي كريب وعبد الله بن براد، ثلاثتهم عن أسامة عنه به.
بيان اللغات والإعراب والمعاني: قوله: (عن أشياء): هو غير منصرف، قال الخليل: إنما ترك صرفه لأن أصله: فعلاء كالشعراء جمع على غير الواحد، فنقلوا الهمزة الأولى إلى أول الكلمة، فقالوا: أشياء، فوزنه: أفعاء. وقال الأخفش والفراء: هو أفعلاء كالأنبياء، فحذفت الهمزة التي بين الياء والألف للتخفيف، فوزنه أفعاء. وقال الكسائي: هو أفعال كأفراخ، وإنما تركوا صرفها لكثرة استعمالهم لها، ولأنها شبهت بفعلاء. وقال في (العباب): الشيء تصغيره شيء، وشييء بكسر الشين، ولا تقل: شوىء، والجمع: أشياء، غير مصروفة. والدليل على قول الخليل أنها لا تصرف أنها تصغر على أشياء وأنها تجمع على أشاوي، وأصلها: أشائي، قلبت الهمزة ياء فاجتمعت ثلاث ياآت فحذفت الوسطى، وقلبت الأخيرة ألفا فأبدلت من الأول واو. وحكى الأصمعي أنه سمع رجلا من فصحاء العرب يقول لخلف الأحمر: إن عندك لأشاوي مثال الصحارى، ويجمع أيضا على: أشايا وأشياوات، ويدخل على قول الكسائي أن لا تصرف: أبناء وأسماء، وعلى قول الأخفش أن لا تجمع على: أشاوى. قوله: (كرهها)، جملة في محل الجر لأنها صفة الأشياء، وإنما كره لأنه ربما كان سببا لتحريم شيء على المسلمين فتلحقهم به المشقة، أو ربما كان في الجواب ما يكره السائل ويسوؤه، أو ربما أحفوه، عليه الصلاة والسلام، والحقوه المشقة والأذى، فيكون ذلك سببا لهلاكهم، وهذا في الأشياء التي لا ضرورة ولا حاجة إليها أو لا يتعلق بها تكليف ونحوه. وفي غير ذلك لا تتصور الكراهة لأن السؤال حينئذ إما واجب أو مندوب لقوله تعالى: * (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (النحل: 43، والأنبياء: 7). قوله: (فلما أكثر عليه)، على صيغة المجهول، أي: فلما أكثر السؤال على النبي، عليه الصلاة والسلام، غضب. وهو جواب: لما. وسبب غضبه تعنتهم في السؤال وتكلفهم فيما لا حاجة لهم فيه، ولهذا قال، عليه الصلاة والسلام: (إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شي فحرم من أجل مسألته). أخرجه البخاري من حديث سعد. قوله: (سلوني) جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قال بعض العلماء: هذا القول