عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٢٥
تابعه شعبة عن الأعمش أي: تابع سفيان الثوري شعبة بن الحجاج في روايته هذا الحديث عن سليمان الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، وأوصل البخاري هذه المتابعة في كتاب المظالم. وقال الكرماني: هذه المتابعة هي المتابعة المقيدة لا المطلقة، حيث قال: الأعمش، والناقصة لا التامة حيث ذكر المتابعة من وسط الإسناد لا من أوله. وقال النووي: إنما أوردها البخاري على طريق المتابعة لا الأصالة. وقال الكرماني: ليس ذكره في هذا الموضع على طريق المتابعة لمخالفة هذا الحديث ما تقدم لفظا ومعنى من جهات، كالاختلاف في: ثلاث وأربع، وكزيادة لفظ: خالصا. قلت: أراد البخاري بالمتابعة هنا كون الحديث مرويا من طرق أخرى عن الثوري، منها رواية شعبة عن الثوري، نبه على ذلك ههنا، وإن كان قد رواها في كتاب المظالم، وكذلك هو مروي في (صحيح مسلم) وغيره من طرق أخرى عن الثوري، وكلام الكرماني يشير إلى أنه فهم أن المراد بالمتابعة متابعة حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب، وليس كذلك، لأنه لو أراد ذلك لسماه شاهدا، وقال بعضهم: وأما دعواه أن بينهما مخالفة في المعنى فليس بمسلم، وغايته أن يكون في أحدهما زيادة، وهي مقبولة، لأنها من ثقة متيقن. قلت: نفيه التسليم ليس بمسلم، لأن المخالفة في اللفظ ظاهرة لا تنكر ولا تخفى، فكأنه فهم أن قوله: من جهات، كالاختلاف يتعلق بالمعنى وليس كذلك، بل يتعلق بقوله: لفظا. فافهم.
25 ((باب قيام ليلة القدر من الإيمان)) لما كان المذكور، بعد ذكر المقدمة التي هي باب كيفية بدء الوحي، كتاب الإيمان المشتمل على أبواب فيها بيان أمور الإيمان، وذكر في أثنائها خمسة من الأبواب، مما يضاد أمور الإيمان لأجل مناسبة ذكرناها عند ذكر أول الأبواب الخمسة، عاد إلى بيان بقية الأبواب المشتملة على أمور الإيمان، نحو: قيام ليلة القدر من الإيمان، والجهاد من الإيمان، وتطوع قيام رمضان من الإيمان، وصوم رمضان من الإيمان، وغير ذلك من الأبواب المتعلقة بأمور الإيمان. وينبغي أن تطلب المناسبة بين هذا الباب وبين باب السلام من الإسلام، لأن الأبواب الخمسة المذكورة بينهما إنما هي بطريق الاستطراد، لا بطريق الأصالة. فالمذكور بطريق الاستطراد كالأجنبي، فيكون هذا الباب في الحقيقة مذكورا عقيب باب السلام من الإسلام، فتطلب المناسبة بينهما، فنقول: وجه المناسبة هو أن المذكور في باب السلام من الإسلام هو أن إفشاء السلام من أمور الإيمان، وكذلك ليلة القدر فيها يفشى السلام من الملائكة على المؤمنين. قال الله تعالى: * (سلام هي حتى مطلع الفجر) * (القدر: 5) قال الزمخشري: ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون، أي: الملائكة على المؤمنين، وقيل: لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه في تلك الليلة. ثم قوله: (باب) معرب على تقدير أنه خبر مبتدأ محذوف منون، أي: هذا باب. وقوله: (قيام) مرفوع بالابتداء، وخبره. قوله: (من الإيمان)، ويجوز أن يترك التنوين من: باب على تقدير إضافته إلى الجملة، وعلى كل التقدير الأصل: هذا باب في بيان أن قيام ليلة القدر من شعب الإيمان، والقيام مصدر: قام، يقال: قام قياما، وأصله قواما، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
والكلام في ليلة القدر على أنواع: الأول: في وجه التسمية به. فقيل: سمي به لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، أي: يظهرهم الله عليه، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم. وقيل: لعظم قدرها وشرفها وقيل: لأن من أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر. وقيل: لأن الطاعات لها قدر زائد فيها. الثاني: في وقتها اختلف العلماء فيه، فقالت جماعة: هي منتقلة، تكون في سنة في ليلة وفي سنة في ليلة أخرى، وهكذا. وبهذا يجمع بين الأحاديث الدالة على اختلاف أوقاتها، وبه قال مالك وأحمد وغيرهما، قالوا: إنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل: بل في كله، وقيل: إنها معينة لا تنتقل أبدا بل هي ليلة معينة في جميع السنين لا تفارقها. وقيل: هي في السنة كلها. وقيل: في شهر رمضان كله، وهو قول ابن عمر، رضي الله عنهما، وبه أخذ أبو حنيفة، رضي الله عنه، وقيل: بل في العشر الأوسط والأواخر، وقيل: بل في الأواخر، وقيل: يختص بأوتار العشر، وقيل: بأشفاعه، وقيل: بل في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، وهو قول ابن عباس. وقيل: في ليلة سبع عشرة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: ليلة أربع عشرين، وهو محكي عن بلال وابن عباس رضي الله عنهم، وقيل: سبع وعشرين، وهو قول جماعة من الصحابة، وبه قال أبو يوسف ومحمد. وقال زيد بن أرقم:
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»