عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ١٩٣
ومن معمر عن الزهري، فرواه على الوجهين. وقال بعض الشراح: وفيما ذكره نظر، ولم يبين وجهه، ووجهه ان معظم الروايات في الجوامع والمسانيد عن ابن عيينة عن معمر عن الزهري بزيادة معمر بينهما، والروايات قد تظافرت عن ابن عيينة باثبات معمر، ولم يوجد بإسقاطه إلا عند مسلم، والموجود في مسند شيخ مسلم، محمد بن يحيى بن أبي عمر بلا إسقاط، وكذلك اخرج أبو نعيم في مستخرجه من طريقه، وزعم أبو مسعود في (الأطراف) أن الوهم من ابن أبي عمر، ويحتمل ذلك بأن صدر منه الوهم لما حدث به مسلما، ولكن هذا احتمال غير متعين، ويحتمل ان يكون الوهم من مسلم، ويحتمل ان يكون مثل ما قاله النووي، وباب الاحتمالات مفتوح.
بيان اللغات: قوله: (رهطا)، قال ابن التياني: قال أبو زيد: الرهط ما دون العشرة من الرجال، وقال صاحب (العين) الرهط عدد جمع من ثلاثة إلى عشرة، وبعض يقول من سبعة إلى عشرة، وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر، وتخفيف الرهط أحسن، تقول: هؤلاء رهطك وراهطك، وهم رجال عشيرتك. وعن ثعلبة: الرهط بنو الأب الأدنى. وعن النصر: جاءنا أرهوط منهم، مثل: اركوب، والجمع أرهط وأراهط، وفي (المحكم): لا واحد له من لفظه، وقد يكون الرهط من العشرة، وفي (الجامع) و (الجمهرة): الرهط من القوم وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة وربما جاوزوا ذلك قليلا ورهط الرجل بنو أبيه ويجمع على ارهط ويجمع الجمع على أرهاط. وفي (الصحاح): رهط الرجل قومه وقبيلته. يقال: هم رهط دينه، والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، والجمع أرهط وأرهاط وأراهط. وفي (مجمع الغرائب): الرهط جماعة غير كثيري العدد. قوله: (هو أعجبهم إلي) أي: أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي. قوله: (عن فلان)، لفظة: فلان، كناية عن اسم سمي به المحدث عنه الخاص، ويقال في غير الناس: الفلان والفلانة بالألف واللام. قوله: (فعدت لمقالتي) يقال: عاد لكذا، إذا رجع إليه، والمقالة والمقال مصدران ميميان بمعنى القول. قوله: (ان يكبه الله)، بفتح الياء وضم الكاف، أي: يلقيه منكوسا، هذا من النوادر على عكس القاعدة المشهورة، فإن المعروف أن يكون الفعل اللازم بغير الهمزة، والمتعدي بالهمزة، فان أكب لازم، وكب متعد ونحوه: أحجم وحجم، وقد ذكر البخاري هذا في كتاب الزكاة، فقال: أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد، فإذا وقع الفعل قلت: كبه وكببته، وجاء نظير هذا في أحرف يسيرة. منها: انسل ريش الطائر ونسلته، وأنزفت البئر ونزفتها أنا، وأمريت الناقة درت لبنها ومريتها أنا، وأنشق البعير رفع رأسه وشنقتها أنا، وأقشع الغيم وقشعته الريح وحكى ابن الاعرابي في المتعدي: كبه وأكبه معا، وفي (العباب) يقال: كبه الله لوجهه: صرعه على وجهه، يقال: كب الله العدو، وأكب على وجهه: سقط. وهذا من النوادر، أن يقال: أفعلت أنا وفعلت غيري.
بيان الإعراب: قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى) تقدير الكلام عن سعد، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى، و: أعطى، جملة في محل الرفع على أنها خبر إن، و: رهطا، منصوب على أنه مفعول: أعطى، وقد علم أن باب: أعطيت، يجوز فيه الاقتصار على أحد مفعوليه، تقول: أعطيت زيدا، ولا تذكر ما أعطيته، أو أعطيت درهما، ولا تذكر من أعطتيه. وقوله: (اعطى رهطا)، من قبيل الأول، والتقدير: أعطى رهطا شيئا من الدنيا؛ بخلاف أفعال القلوب فإنه لا يجوز الاقتصار فيها على أحد المفعولين عن لأنها داخلة على المبتدأ والخبر، فكما لا يستغني المبتدأ عن الخبر ولا الخبر عن المبتدأ، فكذلك لا يستغني أحد المفعولين عن صاحبه، ولكن يجوز أن يسكت عنهما جميعا، ويجعلان نسيا منسيا، نحو قوله: من يسمع يخل، كما في قولهم: فلان يعطي ويمنع. قوله: (وسعد جالس)، جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (رجلا)، مفعول لقوله: (ترك) واسمه جعيل بن سراقة الضمري، سماه الواقدي في المغازي. قوله: (هو أعجبهم إلي)، جملة اسمية في محل النصب على أنها صفة لقوله: (رجلا)، قوله: (ما لك عن فلان)، أي: أي شيء حصل لك أعرضت عن فلان، أو عداك عن فلان، أو من جهة فلان، بأن لم تعطه؟ وكلمة: ما، للاستفهام، و: اللام، تتعلق بمحذوف، وكذلك كلمة: عن، وهو حصل في اللام، وأعرضت ونحوه في: عن قوله: (فوالله) مجرور بواو القسم. قوله: (لأراه)، وقع بضم الهمزة ههنا في رواية أبي ذر وغيره، وكذلك في الزكاة، وكذا هو في رواية الإسماعيلي وغيره. وقال أبو العباس القرطبي: الرواية بضم الهمزة من: أراه، بمعنى: أظنه. وقال النووي: هو بفتح الهمزة، أي: أعلمه، ولا يجوز ضمها على أن يجعل بمعنى أظنه، لأنه قال: ثم غلبني ما أعلم منه، ولأنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم مرارا، فلو لم يكن جازما
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»