(لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا) وفي رواية بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا قال أهل اللغة والغريب يريه بفتح الياء وكسر الراء من الورى وهو داء يفسد الجوف ومعناه قيحا يأكل جوفه ويفسده قال أبو عبيد قال بعضهم المراد بهذا الشعر شعر هجى به النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد والعلماء كافة هذا تفسير فاسد لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه دون قليله وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي صلى الله عليه وسلم موجبة للكفر قالوا بل الصواب أن المراد أن يكون الشعر غالبا عليه مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى وهذا مذموم من أي شعر كان فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا والله أعلم واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وإن كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر واستنشده وأمر به حسان في هجاء المشركين وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه
(١٤)