الأطراف والأرذال تحزبوا وقصدوه من مصر فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه واما علي رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالاجماع وكان هو الخليفة في وقته لا خلافة لغيره واما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه واما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها ولم يخرج شئ من ذلك أحدا منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم واعلم أن سبب تلك الحروب ان القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام قسم ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في هذا الطرف وان مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد ان الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الاقدام على قتال مسلم حتى يظهر انه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وان الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الاجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) معناه ثالثهما بالنصر والمعونة
(١٤٩)