السقيفة وفدك - الجوهري - الصفحة ١٠
بسبب المنازعات العقائدية، والأطماع التوسعية التي كانت تنتهي دائما إلى إحراق وإتلاف الكثير من الكتب النفيسة، وبسبب الغزاة الفاتحين الذين احتلوا البلاد الإسلامية، وسلبوا ديارها وخربوا معالمها ومآثرها، وكانت خزائن الكتب، ودور النفائس الفكرية، من جملة ما خربوا ودمروا، لذلك فإننا في الوقت الحاضر لا نملك إلا الحزن والأسى حينما نتصفح التاريخ ونقرأ ما جرى على الخزائن والمكتبات من إحراق وإغراق وإتلاف وتدمير، فقد أقام الفاتحون من الكتب جسرا على نهر دجلة، ورموا الكثير منها في مواقد المطابخ والاتلاف والحمامات.
والذي نراه اليوم بأيدينا من التراث، ومن كتب الأقدمين لم يكن غير النزر اليسير من التراث الضخم الفخم الذي تركه السلف لنا، وإننا لنقرأ أسماء الكثيرين من العلماء، والأدباء، والرواة، والمحدثين، ولا يوجد بين أيدينا شئ من آثارهم، كما أننا نقرأ أسماء لكثير من المؤلفات والمصنفات ولا أثر لها في دور الكتب العامة والخاصة.
هذا وبعد هذه المرحلة الأليمة... يأتي دور الغزو الغربي للشرق فحين بدأ الاستعمار الغربي، يغزو الشرق بحيله ومواعيده الخلابة الفارغة، اندفعت شرذمة من أذنابه وعيونه لنهب التراث الفكري، واستعمار الجانب الثقافي، بعد أن تهافت الغرب على نقل العلوم التي اشتغل العرب بها منذ أبان نهضتهم العلمية، فكان تراثنا العلمي مبعثرا في الآفاق، وموزعا في الأقطار فمنه جانب في مكاتب الأستانة، وجانب في الاسكوريال، وقسم كبير في مكتبات أوروبا ومتاحفها، وقد انقضت السنون وتلتها أخواتها، وما زلنا حتى الساعة هذه نمشي على انتظار ما تجود به علينا أيدي المستشرقين من هذا التراث الحي الذي فيه النتاج العلمي، والنتاج الأدبي، والنتاج الروحي. لقد أخذ تراثنا الفكري طريقه إلى الغرب، وشق ركبه إليه منذ سنين وقرون متمادية، على يد نفر زين له، حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب.

(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 7 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»
الفهرست