دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٢٦٣
ومما ذكر ظهر أن كل حكم ثبت في الشرع بدليل قطعي أو ظني ثبتت حجيته لا يجوز التوقف فيه لاحتمال كونه منسوخا، والضرورة قاضية بأن الأصل عدم النسخ، وما ورد من أن في الأخبار ناسخا ومنسوخا مثل الكتاب فبعد كونه من أخبار الآحاد لا يوجب لنا العلم بمدلوله كما لا يوجب الترديد والتشكيك في العمل بالكتاب والسنة.
وكيف كان يعرف الناسخ بتنصيص الشارع صريحا كأن يقول: هذا ناسخ لذلك، أو بما يؤدي ذلك كما في قوله تعالى: " الآن خفف الله عنكم - الآية " أو كما في قوله صلى الله عليه وآله: " كنت نهيتكم عن زيارة المقابر ألا فزوروها ". وإما بالعلم بالمتأخر وإذا حصل التضاد ولم يعلم الناسخ فيجب التوقف.
وهل حكم النسخ يثبت بالنزول والصدور أو بالوصول؟ اختلفوا فيه، فبعضهم قال بالأول، وبعضهم قال بالثاني، والثاني لا يخلو من وجه لأن النسخ تكليف ثان وشرطه البلوغ إلى المكلف لاستحالة تكليف الجاهل.
سابعها معرفة كونه محمولا على التقية أم لا: فيقع الكلام فيه على أمورا: جوازها، وقوعها، وموارد حمل الخبر عليها.
أما الجواز فعليه إجماع الفرقة، ونقل عن المغرب جوازها عن الحسن البصري.
واستدل الأصحاب ببعض الآيات والروايات، كقوله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " في عمار بن ياسر حين أكرهه أهل مكة، وقوله تعالى في ذيل الآية:
" أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ". وبقول إبراهيم عليه السلام: " بل فعله كبيرهم " وقوله: " إني سقيم ". وبما رواه مسلم في ج 8 ص 21 من صحيحه " أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: بئس أخو العشيرة، فأذن له، فلما دخل عليه أقبل عليه صلى الله عليه وآله بوجهه وبشره يحدثه حتى فرغ وخرج من عنده، فقيل له: يا رسول الله أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته، وأقبلت عليه بوجهك وبشرك؟! فقال عليه السلام: إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ".
وما رواه المعاني مسندا " عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: حديث تدريه خير من ألف ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»