إخوان دبر ووبر، أذل الأمم دارا، وأجدبهم قرارا، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلى ظل ألفة يعتمدون على عزها. فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة متفرقة، في بلاء أزل، وأطباق جهل من بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة. فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولا، فعقد بملته طاعتهم، وجمع على دعوته ألفتهم: كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفت الملة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غرقين، وفي خضرة عيشها فكهين. قد تربعت الأمور بهم، في ظل سلطان قاهر، وآوتهم الحال إلى كنف عز غالب، وتعطفت الأمور عليهم في ذرى ملك ثابت. فهم حكام على العالمين، وملوك في أطراف الأرضين. يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم، ويمضون الأحكام فيمن كان يمضيها فيهم لا تغمز لهم قناة، ولا تقرع لهم صفاة... فإن الله سبحانه قد امتن على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها، ويأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة، لأنها أرجح من كل ثمن، وأجل من كل خطر (خ 192).
(279) أفضل الوعاظ:
فاتقوا الله الذي نفعكم بموعظته، ووعظكم برسالته (خ 198).
وإن الله سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع أنه قد ذهب المتذكرون، وبقي الناسون أو المتناسون (خ 176).
(الرسول (ص)) أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية، ودعوة متلافية (خ 161).
إنه ليس على الامام إلا ما حمل من أمر ربه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة (خ 105).
(280) من شروط الواعظ الجيد:
واعلموا أن من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من