أمان الأمة من الإختلاف - الشيخ لطف الله الصافي - الصفحة ١١٣
استدل القائلون بحجية القياس وجواز العمل به في الاحكام كما نص عليه ابن رشد في مقدمة كتابه ((بداية المجتهد) بأن النصوص وكذا الافعال والاقرارات الرعية متناهية، بينما الوقائع والقضايا غير متناهية، ولا يمكن شمول المتناهى لغير المتناهي (1.

١) قال الغزالي في المستصفى ٢ / ٥٧: الحكم في الأشخاص التي ليست متناهية إنما يتم بمقدمتين كلية كقولنا (كل مطعوم ربوي) وجزئية كقولنا (هذا النبات مطعوم) أو (الزعفران مطعوم) وكقولنا (كل مسكر حرام وهذا الشراب بعينه مسكر) الخ.
ولكن يسأل منه: إذا فما وجه رجوعكم إلى القياس؟ فان قلتم:
ان وجه ذلك عدم إحاطة النصوص بجميع الوقائع لقلتها ولان الشارع سكت وأهمل كثيرا من الوقائع الكلية. يقال: هذا ينافي كمال الدين وتمام النعمة، والقول به قول بالنقص في الشريعة.
وان قلتم: ان الوجه فيه اعواز النصوص وضياعها فلم يبق منها ما يعتمد عليه الا القليل حتى قيل إن أبا حنيفة بلغت روايته إلى ١٧ حديثا أو نحوها ولم يعتمد على ما جاء عن أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب (الأضواء ص ٣٣٠ ٣٣١)، بل قيل كان أبو حنيفة لا يعمل بالحديث حتى وضع ابن أبي شيبة في كتاب المصنف بابا للرد عليه ترجمه (باب الرد على أبي حنيفة) (الرفع والتكميل ص ٥٨)، فلجأوا إلى العمل بالقياس والرأي. قلنا: نعم الخبير لا يعتمد على أكثر هذه الأحاديث المخرجة عن النواصب والمنافقين والمجروحين وعلى الجوامع والمصنفات التي صنفت في عصور كانت السياسة مشرفة على نقل الأحاديث وتصنيف الكتب.
كانوا يضعون الأحاديث لدعم السياسات وتأييد المذاهب التي تمذهب الحكام بها حفظا لحكوماتهم، ويتهمون من يأخذ الحديث عن غير من تسمح له الحكومة بالتحديث. الا ان هذا لا يصحح العمل بالقياس، سيما بعدما كان أئمة أهل البيت بين ظهرانيهم، وعندهم كل ما تحتاج إليه الأمة في أمر دينها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله الأمة بالتمسك بهم.
وبعدما قرع اسماعهم من أن حافظا من حفاظ الشيعة كابن عقدة قال (انا أجيب بثلاثمائة الف حديث من أهل البيت) وان الحافظ عبد الرحمن النيسابوري الخزاعي الذي كان من أعلم الناس بالحديث وأبصرهم به، ويقال كان في مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة، يقول قوله المشهور منه في الصحيحين، ويقول: لو كان لي سلطانا يشد على يدي لا سقطت خمسين الف حديث يعمل بها ليس لها أصل ولا صحة، وكان يقول: احفظ مائة الف حديث (لسان الميزان ٣ / ٤٠٥).
وان قلتم: ان القياس أيضا من أحكام الشرع تعبدنا به. نقول:
هذا ممنوع، وما استدلوا به مزيف، وسكوت الشارع عن بيان الحكم الكلي وايكاله إلى القياس والرأي مع اختلاف المجتهدين فيه ينافي كمال الدين الذي لا يتحقق الا بأن يكون لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا معينا بينه على لسان النبي صلى الله عليه وآله.
مضافا إلى أن الشارع منع من القياس، ومضافا إلى اجماع أهل البيت على بطلان التعويل عليه.
وتمام الكلام يطلب من كتب الأصول ككتاب العدة للشيخ الطوسي وغيره.
وعلى كل حال ظهر أن التمسك بالقياس مع امكان الرجوع إلى أهل البيت والروايات الحاكية عن السنة من طرقهم الوافية بأحكام جميع الوقائع لا يجوز.
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 113 114 115 116 117 118 ... » »»