والمحافل والاجتماع بالشخصيات والرجال مع حرصهم البالغ في الاجتماع به والتحدث معه، لأن القضايا هذه كانت في مفهومه لا تسمن ولا تغني من جوع.. فابتعد من ملابسات الحياة العامة والتي كانت ولم تزل تزدحم على أبواب المراجع والمسؤولين، فكان يضع لوقته وعمله حسابا ويستخرج منه نفعا، ويقدر له قيمة وفائدة وينظر إليه نظرة اعتبار، ليجمع بين العلم والعمل، والنظرية والتطبيق، والجوهر والعرض، وأخيرا فرض بطولته على الأحداث والملابسات والمتطلبات التي كانت تولدها ظروف حياته الفردية.
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن - سيدنا - كان قد منح لكل لحظة من لحظات حياته حسابا خاصا، ومسؤولية هامة يتسائل عنها ويحاسب عليها، فبنى حياته على قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: والفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير، ومنه أخذ ابن المقفع عبد الله فقال: انتهز الفرصة في إحراز المآثر، واغتنم الإمكان باصطناع الخير ولا تنتظر ما يعامل فتجازى عنه مثله، فإنك إن عوملت بمكروه واشتغلت ترصد أو أن المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة، واقتناء منقبة، وتصرمت أيامك بين تعد عليك وانتظار للظفر بإدراك الثار من خصمك، ولا عيشة في الحياة أكثر من ذلك (1).
هنا حدثنا التاريخ بخبر من أخبار - سيدنا - الوافرة على سبيل المثال، فنقرأ: إن عثمان علي خان أحد ملوك حيدر آباد ومؤسسي الجامعة العثمانية عام 1919 م رغب في مقابلة المؤلف ومشاهدته من كثب، وبالغ وألح في رغبته الشديدة، مدة من الزمن، حتى حظي بالموافقة والتشرف بالمقابلة، فتوجه من عاصمة قطره نحو مقر السير في - لكنهو - فلما انتهى نظام حيدر آباد إلى مقر السيد، واقترب من داره أطل السيد من شرفة مكتبته، وقال: السلام عليكم.. لقد كنت ترغب بمشاهدتي والنظر إلي فانظر.. وبعد لحظات دخل المؤلف مكتبته وأغلق النافذة وواصل مطالعته وكتابته.. وانصرف الملك