أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج ١ - الصفحة ٤٠٦
وذلك قدر لا حاجة لنا إلى إماطة اللثام عنه في هذا المقام، وقد أفردنا له كتابنا " دحض مفتريات المستشرقين "، وما علم هؤلاء المستشرقون أن " عليا " يؤثر دينه على دنيا الناس، ويقدم مراقبة الخالق سبحانه على مجاملة المخلوقين.
جهل هؤلاء السطحيون من المستشرقين وصغار الباحثين هذه المعاني العميقة السامية لان السياسة في نظرهم هي انتهاز الفرصة التي تقوم على المخاتلة، والمواربة، والكذب والنفاق، والمد والجزر، والامتناع في موضع القبول، والقبول في موضع الامتناع، هي عند الامام الورع والمثالي الحجة شئ أسمى من ذلك، هي مثل عليا قوامها الكياسة والعقل وأساسها المجاهرة بالحق، وهدفها المصلحة العامة للإنسانية جمعاء.
أقول: إن مثل علي وخصومه مثل رجلين ارتفع الأول بروحه إلى كلمة الحق فآثر النور على الظلام والمثل الباقية على الماديات والمظاهر الخلابة الفانية، وانحدر الثاني إلى الأرض فلم يرق شيئا فخيم عليه الظلام وطغت عليه ماديات الحياة فتغير بتغيرها، وتلون بتلونها، وفني بفنائها، وشتان ما بين الرجلين، لا يستويان مثلا.
فالأستاذ العسكري كافأه الله على كلمة الحق لا يبغي من وراء هذا البحث العلمي النزيه الدقيق أن يثير ثائرة المسلمين على عائشة رضي الله عنها على الرغم مما أخطأت فيه من اجتهاد وإنما يرجو من وراء ذلك خالصا لله وحده تصحيح المفاهيم والأوضاع التاريخية التي تحجرت في عقول كثير من الناس، فأخطأوا فهم الصحابة، ولم يميزوا بين الحق والباطل من الأقوال، وجهلوا الكثير من دعائم التاريخ والتشريع الاسلامي وهو يلتمس جاهدا من وراء ذلك أن يفهم الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله في وضوء العلم وحده بعيدا عن العاطفة والحزبية والعصبية، وإنهم لو استطاعوا ذلك أو شيئا من ذلك لسهل عليهم أن يدركوا سر الاختلاف بين الأحزاب الاسلامية والمذاهب الفقهية، إلى أي حد كان هذا الاختلاف مصنوعا، صنعه الحكام الذين كانوا يؤثرون حزبا على حزب، ويضعون ما شاءوا أن
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 » »»