أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج ١ - الصفحة ٣٩١
لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) (1).
وليس في ذلك ما يهولنا أو يزعزع عقيدتنا في الصحابة، أو يضعف من موقفنا من حملة لواء هذه الرسالة الكبرى، إذ ليس هناك جماعة ظهرت على وجه الأرض إلا وفيها هذه الأنماط البشرية المختلفة، ابتداء من درجة العدل الثقة إلى درجة السفيه الوضاع والمنافق المارق، وذلك قدر أجمعت عليه " القرائن التاريخية " وأيدته " قوانين الاحصاء " في دراسة الجماعات الانسانية منذ آدم حتى اليوم. إلا أن ناموس التطور في عقلية الجماعات الدينية وفي أساليب الدعوة إلى الله بلغت منتهاها في شخص محمد وصحبه.
فلم يكن هناك نبي جاء بأعظم مما جاء به، ولم تكن هناك جماعة أصدق عزما ولا أكثر عددا من جماعته. فكان صلوات الله عليه يمثل حقا نقطة الكمال فيما انتهت إليه الرسالات السماوية، كمال في ذاته الشريفة فهو سيد الأنبياء، وإمام المرسلين، وكمال في دستوره وقرآنه لأنه جامع لما جاء قبله من شرائع، وكمال في أصحابه لأنه كان بهم أكثر أولي العزم المرسلين تابعا (2). وفي ذلك يقول صلوات الله عليه: " ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أتيته وحيا أوحاه الله تعالى إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ".
ولكن هذا الكمال الذي عرف به أصحاب محمد صلى الله عليه وآله لا يناقض أن يكون من بين الجماعة نفر أخلوا بما أمر به صلوات الله عليه من استمساك بأهداب الشريعة واعتصام بما جاء به محمد من هدى. كما أن ذلك في نفس الوقت لا يمنع من أن تضع هذه الصفوة من الجماعة أو هذا الرعيل الأول من

(1) سورة التوبة / الآية 101.
(2) أولو العزم من الرسل هم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وقد رتبهم الناظم وفق درجاتهم في قوله:
محمد وإبراهيم وموسى كليمه * فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»