أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج ١ - الصفحة ٣٩٨
مغرضا في بحثه مستترا خلف ستار لطيف يخفي وراءه كلمة الحق وأكثر ما يكون ذلك عند الباحثين الذين يحاولون التوفيق بين رأيين متناقضين.
فالتوفيق من حيث الظاهر والمتبادر إلى العقول جميل، ولكن الحق لن يجتمع في رأيين متناقضين أبدا.
وقد استطاع العسكري أن يتخلص في بحثه هذا من العيوب التي تعترض سبيل الباحث العلمي. فنظر في بحثه نظرة موضوعية مجردة عن الاشخاص واقدارهم وعن جميع الغايات إلا غاية واحدة، وهي الحق لذاته، ومن ثم استطاع أن يترك العاطفة جانبا وأن يطرح الأهواء وراءه ظهريا، فالتزم في بحثه هذا حكم العقل وحده، كما أنه تحرز من التعصب الأعمى، فلم يتعصب لرأي على رأي، ولا حزب، ولو كان في هذا الحزب مذهبه. وليس جمال البحث في أنه وضع دستورا لهذا البحث، وإنما الجمال الحقيقي الذي يلفت نظر الباحثين ويستولي على إعجابهم فضلا عن تقديرهم هو أنه استطاع أن يطبق هذه الدستور تطبيقا عمليا في بحثا هذا، وأن يقف من أحاديث أم المؤمنين موقفا حازما يجلي الحقيقة في أبهى حللها حين آثر الحقائق على أقدار الاشخاص.
وقديما لفت نظري وأنا أخرج كتابي " الاسراء والمعراج في ضوء المنهج العلمي الحديث "، أن التقي بحديث مروي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنفي فيه كون الاسراء والمعراج كانا بالروح والجسد معا، وتصر على أنهما كانا بالروح، وقد وافقها على هذا الرأي جماعة من الصحابة منهم معاوية ابن أبي سفيان (12) فكانت هذه عندي أول لثمة داخلني فيها الشك في صحة بعض ما روي لنا عن أم المؤمنين من أحاديث، فحفزني ذلك على أن أبحث عن بعض ما جاءنا من هذه الأحاديث، ولكن يأبى الله إلا أن ينفرد الأستاذ

(12) الدكتور حامد حفني داود " الاسراء والمعراج في ضوء المنهج العلمي الحديث " ص 36.
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»