إن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة (*) وهو بالشام تحمل الخمر، فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا، بل خمر يباع لفلان. فأخذ شفرة من السوق فقام إليها، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان إلى أبي هريرة، فقال: أتمسك عنا أخاك عبادة، أما بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا!
قال: فأتاه أبو هريرة فقال: يا عبادة، مالك ولمعاوية! ذره وما حمل.
فقال: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذنا في الله لومة لائم، فسكت أبو هريرة.
وكتب معاوية إلى عثمان: أن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام.
فكتب إليه: أ، رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة.
قال: فدخل على عثمان، فلم يفجأه إلا وهو معه في الدار، فالتفت إليه فقال: ما لنا ولك؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى ولا تضلوا بربكم.
وفي رواية ابن عساكر بعد هذا: فوالذي نفس عبادة بيده إن فلانا يعني معاوية لمن أولئك فما راجعه عثمان بحرف، انتهى.
وقصة معاوية مع الصحابة في شربه الخمر لم تقتصر على ما كان بين معاوية وعبادة، فقد رووا أن عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري غزا في زمن عثمان ومعاوية أمير على الشام، فمرت به روايا خمر، فقام إليها برمحه، فبقر كل راوية منها، فناوشه الغلمان، حتى بلغ شأنه معاوية، فقال: دعوه " القطارة ": الإبل تشد على نسق واحدا خلف واحد. (*)