الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٢٨٧
بقي هنا أن نسأل الخليفة عن علة قصر هذه الأثرة على المذكورين ومن جرى مجراهم من زبانيته، أهل خلقت الدنيا لأجلهم؟ أو أن الشريعة منعت عن الصلات وإعطاء الصدقات للصلحاء الأبرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله كأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود إلى نظرائهم؟ فيجب عليهم أن يقاسوا الشدة، ويعانوا البلاء، و يشملهم المنع بين منفي ومضروب ومهان، وهذا سيدهم أمير المؤمنين يقول: إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم تفويقا (1) أي يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة.
وهل الجود هو بذل الرجل ماله وما تملكه ذات يده؟ أو جدحه من سويق غيره؟ (2) كما كان يفعل الخليفة. ليتني وجدت من يحير جوابا عن مسئلتي هذه؟ أما الخليفة فلم أدركه حتى استحفي منه الخبر، ولعله لو كنت مستحفيا منه لسبقت الدرة الجواب.
نعم يعلم حكم تلكم الأعطيات والقطائع وقد أقطع أكثر أراضي بيت المال (3) من خطبة لمولانا أمير المؤمنين، ذكرها الكلبي مرفوعة إلى ابن عباس قال: إن عليا عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق (4).
قال الكلبي: ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوى به على المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقضبت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره وغير داره، وأمر أن ترجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها، فبلغ ذلك عمرو بن العاص وكان بأيلة من

(١) نهج البلاغة ١: ١٢٦.
(٢) يقال: جدح جوين من سويق غيره. مثل يضرب لمن يجود بأموال الناس.
(٣) السيرة الحلبية ٢: ٨٧.
(٤) نهج البلاغة ١. 46، شرح ابن أبي الحديد 1: 90.
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»