بالمعاشرة والمكاشرة، إذن فلا وجه للضنة بهم عن نقل تلكم الروايات.
وأما ثالث الأحاديث فهو من حاجة الناس إلى أميرهم في ساعة السلم، وأي نجعة في الأمير هي خير من بعث الأمة على إحسان الوضوء، والصلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين، ووسيلة إلى المغفرة، ونجح الطلباب، وأحد أصول الاسلام، فلماذا يشح به الخليفة؟ فيحرم أمته عن تلكم المثوبات والأجور.
وأما الآية التي بعثته على التنويه بالحديث، فليته كان يدلنا عليها ويعرب عنها، وقد كانت موجودة منذ نزولها، وفي أبان شح الخليفة على رواية الحديث، فما الذي جعجع به إلى هذا التاريخ؟ وأرجأ روايته إلى الغاية المذكورة؟ ولعله أراد ما نص عليه أبو هريرة فيما أخرجه الجصاص في آيات الأحكام 1: 116 عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله عز وجل ما حدثتكم، ثم تلا: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " قال الجصاص: فأخبر أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى الذي أنزله الله تعالى.
وهب أن الآية لم تنزل، فهل الحكم الذي هتف به رسول الله صلى الله عليه وآله يسدل عليه ستار الاخفاء إلى أن يرتئي الخليفة أن يبوح به؟. أنا لا أدري السر في هذه كلها، و لعل عند الخليفة ما لا أعلمه.
م وهل كان مبلغ جهل الصحابة الأولين بالسنة هذا الحد بحيث كان يخفي عليهم مثل الحديثين؟ وكان علمهما يخص بالخليفة فحسب والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وإنه لو كتمه لما بان.
على إن كاتم العلم وتعاليم النبوة بين اثنين رحمة يزوى عنه، وذموم تتوجه إليه، وإليك في المقامين أحاديث جمة فمن الفريق الثاني ما ورد:
1 عن ابن عمر مرفوعا: علم لا يقال به، ككنز لا ينفق منه. أخرجه ابن عساكر.
2 - عن ابن مسعود مرفوعا: علم لا ينفع، ككنز لا ينفق منه. أخرجه القضاعي.
3 عن أبي هريرة مرفوعا: مثل الذي يتعلم العلم، ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه. أخرجه الطياسي والطبراني والمنذري.