الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ١٠٨
ثلاثا فسماه مقيما والمقيم غير المسافر (1) وفي لفظ مسلم: يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا. وفي لفظ البخاري: للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة. ا ه‍ (2) إن ملاك قطع السفر ليس صدق لفظ الإقامة، فليست المسألة لغوية وإنما هي شرعية، وقد أناطت السنة الشريفة الإتمام في السفر بإقامة محدودة ليس في ما دونها إلا التقصير في الصلاة، وليس لمكة حكم خاص يعدل به عما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله، والمراد من الإقامة فيما تشبث به ناحت المعذرة هو المكث للمهاجر بمكة لما لهم بها من سوابق وعلائق وقرابات، لا الإقامة الشرعية التي هي موضوع حكم الإتمام، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة عشرا كما في الصحيحين (3) أو أكثر منها كما في غيرهما (4) ولم يزد على التقصير في الصلاة فقصر المكث بمكة ثلاثا على المهاجر دون غيرهما من الوافدين إلى مكة، وعلى مكة دون غيرها كما هو صريح تلكم الألفاظ المذكورة يعرب عن إرادة المعنى المذكور، ولا يسع لفقيه أن يرى الإقامة ثلاثا بمكة خاصة من قواطع السفر للمهاجر فحسب، وقد أعرض عن استيطانها بالهجرة، ولم يتم رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بمكة وقد أقام بها أكثر من ثلاثة أيام بلغ عشرا أو لم يبلغ أو زاد عليها.
على أن الشافعي ومالكا وأصحابهما وآخرين احتجوا بالألفاظ المذكورة على استثناء مكث المهاجر بمكة ثلاثا من الإقامة المكروهة لهم بها، قالوا: كره رسول الله للمهاجرين الإقامة بمكة التي كانت أوطانهم فأخرجوا عنها، ثم أباح لهم المقام بها ثلاثا بعد تمام النسك. وقال ابن حزم: إن المسافر مباح له أن يقيم ثلاثا وأكثر من ثلاث لا كراهة في شئ من ذلك، وأما المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث (5) فأين هذا الحكم الخاص بمكة للمهاجر فحسب من الإقامة القاطعة للسفر؟.

(١) هذا الوجه ذكره ابن القيم في زاد المعاد هامش شرح المواهب ٢: ٢٤ ونقده بكلام وجيز.
(٢) ألفاظ هذا الحديث مذكورة في تاريخ الخطيب ٦، ٢٦٧ - ٢٧٠.
(٣) صحيح البخاري ٢: ١٥٣، صحيح مسلم ١: ٢٦٠.
(4) المحلى لابن حزم 5: 27.
(5) المحلى لابن حزم 5: 24.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»