الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ١١٠
على الإطلاق، ومع ذلك كان يقصر صلاته في أسفاره، ولا يعزى إليه إنه ربع بمكة أو في منى أو بعرفة أو بغيرها، وإنما اتبع ما استنه للأمة جمعاء وبهذا رده ابن القيم في زاد المعاد، وابن حجر في فتح الباري 2: 456.
أضف إليه هتاف النبي الأعظم وأبي بكر وعمر بن الخطاب بما مر ص 107 من قولهم: أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قوم سفر. فإنه يعرب عن إن حكم القصر والاتمام يعم الصادع الكريم ومن أشغل منصة الخلافة بعده.
على إنه لو كان تربيع الرجل من هذه الناحية لوجب عليه أن يهتف بين الناس بأن ذلك لمقام الإمامة فحسب، وأما من ليس له ذلك المقام فحكمه التقصير، وإلا لكان إغراء بالجهل بعمله، وإبطالا لصلاتهم بترك البيان، فإذ لم يهتف بذلك ولم يعلل عمله به جوابا لمنقديه علمنا إنه لم يرد ذلك، وإن من تابعه من الصحابة لم يعللوا عمله بهذا التعليل، وإنما تابعوه دفعا لشر الخلاف كما مر في صفحة 99، 102 وهذا ينبئ عن عدم صحة عمله عندهم.
ويشبه هذا التشبث في السقوط ما نحتوه لأم المؤمنين عائشة في تربيعها الصلاة في السفر بأنها كانت أم المؤمنين فحيث نزلت فكان وطنها كما ذكره ابن القيم في زاد معاده 2: 26، فإن كان لأم المؤمنين هذا الحكم الخاص؟ وجب أن تكون أمومتها منتزعة من أبوة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن ثبوت الحكم في الأصل أولى من الفرع، لكن رسول الله كان يصلي في أسفاره عامة ركعتين، وليس من الهين تغيير حكم الله بأمثال هذه السفاسف، ولا من السهل نحت العذر لكل من يخالف حكما من أحكام الدين لرأي ارتآه، أو غلط وقع فيه، أو لسياسة وقتية حدته إليه، ولا ينقضي عجبي من العلماء الذين راقتهم أمثال هذه التافهات فدونوها في الكتب، وتركوها أساطير من بعدهم يهزأ بها.
5 - إن التقصير للمسافر رخصة لا عزيمة، ذكره جمع، وقال المحب الطبري في الرياض 2: 151: عذره في ذلك ظاهر، فإنه ممن لم يوجب القصر في السفر. وتبعه في ذلك شراح صحيح البخاري، وهذا مخالف لنصوص الشريعة، والمأثورات النبوية، والسنة الشريفة الثابتة عن النبي الأقدس، وكلمات الصحابة، وإليك نماذج منها:
1 - عن عمر: صلاة السفر ركعتان، والجمعة ركعتان، والعيد ركعتان تمام غير
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»