وكان عمر إذا قدم مكة صلى لهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، وروى البيهقي عن أبي بكر مثل ذلك. " سنن البيهقي 3: 126، 157، المحلى لابن حزم 5: 18، موطأ مالك 1: 126 ".
هذه حجج الخليفة التي أدلى بها يوم ضايقه عبد الرحمن بن عوف لكنها عادت عنده مدحورة، وقد أربكه عبد الرحمن بنقد ما جاء به فلم يبق عنده إلا أن يقول: هذا رأي رأيته، كما أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لما دخل عليه وخصمه بحجاجه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. الخ. وعجز الرجل عن جوابه فقال: رأي رأيته.
هذا منقطع معاذير عثمان في تبرير أحدوثته فلم يبق له ارتحاضه إلا قوله:
رأي رأيته، لكن للرجل من بعده أنصارا اصطنعوا له أعذارا أخرى هي أو هن من بيت العنكبوت، ولم يهتد إليها نفس الخليفة حتى يغبر بها في وجه منتقديه، ولكن كم ترك الأول للآخر، منها:
1 - إن منى كانت قد بنيت وصارت قرية، كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بل كانت فضاء ولهذا قيل له: يا رسول الله! ألا تبني لك بمنى بيتا يظلك من الحر؟ فقال: لا، منى مناخ من سبق، فتأول عثمان إن القصر إنما في حال السفر (1).
أنا لا أدري ما صلة كثرة المساكن وصيرورة المحل قرية بحكم القصر والاتمام؟
وهل السفر يتحقق بالمفاوز والفلوات دون القرى والمدن حتى إذا لم ينو فيها الإقامة؟
إن هذا الحكم عجاب، وهذه فتوى من لا يعرف مغزى الشريعة، ولا ملاك تحقق السفر والحضر المستتبعين للقصر والاتمام، على أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى أيام إقامته بمكة قصرا وكذلك في خيبر، وكانت مكة أم القرى، وفي خيبر قلاع وحصون مشيدة و قرى ورساتيق، وكذلك كان يفعل في أسفاره، وكان يمر بها على قرية ويهبط أخرى على أن صيرورة المحل قرية لم تكن مفاجأة منها وإنما عادت كذلك بالتدريج، ففي أي حد منها كان يلزم الخليفة تغيير الحكم؟ وعلى أي حد غير؟ أنا لا أدري.
2 - إنه أقام بها ثلاثا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة