الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ١٠٣
ذلك منه تشبثا كتشبث الغريق، ومن أمعن النظر فيها لا يشك أنها مما لا يفوه به ذو مرة في الفقاهة فضلا عن إمام المسلمين، ولو كان مجرد إن زوجته مكية من قواطع السفر؟ فأي مهاجر من الصحابة ليس كمثله؟ فكان إذن من واجبهم الإتمام، لكن الشريعة فرضت التقصير على المسافر مطلقا، والزوجة في قبضة الرجل تتبعه في ظعنه و إقامته، فلا تخرج زوجها عن حكم المسافر لمحض إنه بمقربة من بيئتها الأصلية التي هاجر عنها وهاجرت.
قال ابن حجر في فتح الباري 2: 456: أخرج أحمد والبيهقي من حديث عثمان وإنه لما صلى بمنى أربع ركعات، أنكر الناس عليه فقال: إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم. قال هذا الحديث لا يصح منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر.
وقال ابن القيم في عد أعذار الخليفة: إنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه، أو كان له به زوجة أتم. ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن أبي ذئاب عن أبيه قال: صلى عثمان بأهل منى أربعا وقال: يا أيها الناس لما قدمت تأهلت بها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة مقيم. رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (1: 62)، وعبد الله بن زبير الحميدي في مسنده أيضا، وقد أعله البيهقي بانقطاعه، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم، قال أبو البركات ابن تيمية: ويمكن المطالبة بسبب الضعف، فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه، وعادته ذكر الجرح والمجروحين، وقد نص أحمد وابن عباس قبله: إن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، ومالك وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان. ا ه‍.
قال الأميني: لو كان عثمان لهج بهذه المزعمة في وقته على رؤس الاشهاد، وكان من المسلم في الاسلام إن التزويج من قواطع السفر - وليس كذلك - لما بقيت كلمة مطوية تحت أستار الخفاء حتى يكتشفها هذا الأثري المتمحل، أو يختلقها له رماة القول على عواهنه.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»