الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة المقدمة ١١
ولكن: كان أمر الله قدرا مقدورا، وتلك أمة قد خلت، ونحن الناشئة إن عتبنا على الأولين، فإن عتبنا على الخلف أشد وأعظم، وعلى المؤرخين الجدد من أبناء عصرنا هذا أهل السنة أوسع وأكبر.
كنا نسمع من أساتذتنا أساتذة الأخذ والتأليف عفى الله عنهم إن كانوا لا يعلمون:
إن قصة الغدير أسطورة صنعها الشيعة، وأيدها ملوكهم لحوائج سياسية.
وهذا مبلغنا أو مبلغهم من العلم إذ ذاك، أما في زمننا هذا وبعد ما قرأت بعض فصول وأبواب وأجزاء الغدير، أراني أمام بحر زاخر لا غدير سائل فيه اللؤلؤ والمرجان والدر الوضاء. نعم: فيه الحجة البالغة، وفيه البرهان الصريح، وفيه العلم الوافر، وفيه وفيه ما ليس في وسعي أن أحصيه وأعدده، كلها تنطق: إن الناس مهما أرادوا أن يحجبوا ضوء البدر، ومهما أتوا بسحب وعوارض تمنع إضاءته فليس في مقدورهم طالما خلف (المرتضى) عليه السلام أمثالكم شيعة باعت لذائذ الحياة ترف الزمان، وعكفت على تأيد الحق، وإظهار الصواب، وهدي التائه، وإرشاد الضال، بكل ما أتيت من قوة.
فنعم السلف والخلف، أنتم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه مرضيا عنه، ومنهم من يعمل خدمة للاسلام حتى يرى ربه بوجه طلق سجيح ويلقى هناك النبي والصديقين والشهداء والمجاهدين وحسن أولئك رفيقا.
نعم وقفت أمام ثبج (الغدير) وخضت غماره، وسبجت فيه، فإذا أمامي مشاهد التاريخ، وأفلام الزمان، وأقلام المؤلفين، وفصول الكتب، ونشيد الشعر، وأريج الحديث، كلها تدلني على أن الغدير حق ليس بمختلق، وأن الناس يقولون ما لا يعلمون، إما ابتغاء للفتنة، أو تقربا للملوك الظالمين، أوجبنا عن النطق بالصواب والواقع، فجزى الله مؤلفه " عبد الحسين " وحفظه وأبقاه سيفا صارما مسلولا ومنارا للحق، وجزاك أنت يا سيدي المظفري! على معروفك الذي لا يتناهى والذي ورثته عن آبائك الطهر الميامين.
سيدي المظفري! أرجوك إرسال بقية الأجزاء، وأخبرني عن ثمنها، وإن من يطلب الحسناء لم يغله المهر. وكان بوسعي ومن واجبي أن أرسل لكم الثمن قبل هذا التحرير، ولكن رأيت إن ذلك ليس بصحيح، فإن من الأشياء أنواعا لا تقدر بثمن،
(المقدمة ١١)