فيه الناس: ولم يهاجر حتى مات في مكة (1) والله يعلم بواطنه (307).
على أن لرسول الله كلمة قالها لثلاثة: أبي محذورة، وأبي هريرة، وسمرة بن جندب، حيث أنذرهم بقوله آخركم موتا في النار (308).
وهذا أسلوب حكيم من أساليبه صلى الله عليه وآله في إقصاء المنافقين عن التصرف في شؤون الإسلام والمسلمين، فإنه صلى الله عليه وآله لما كان عالما بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أمته الريب فيهم، والنفرة منهم، إشفاقا عليها أن تركن إلى واحد منهم في شئ مما يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم، فنص بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتا، لكنه صلى الله عليه وآله أجمل القول فيه على وجه جعله دائرا بين الثلاثة على السواء، ثم لم يتبع هذا الاجمال بشئ من البيان وتمضي الأيام والليالي على ذلك، ويلحق صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ولا بيان، فيضطر أولي الألباب من أمته إلى إقصائهم جميعا عن كل أمر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدنية في دين الإسلام، لاقتضاء العلم الاجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا أنهم في وجوب الإقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام.
فإن قلت: لعله صلى الله عليه وآله بين هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.