عمرو بن العاص. فقال: هيهات هيهات ظلم الأمير وخان الوزير. فقال: ناوله ولدي هذا وأشار إلى يزيد. فقال: ما نرضى بإبليس فكيف بأولاده؟ فقال:
ناوله مملوكي هذا وأشار إلى غلام له قائم على رأسه. فقال الاعرابي: مملوك اشتريته [من] غير حل وتستعمله في غير حق!! قال: ويحك يا أعرابي فما الحيلة وكيف نأخذ الكتاب؟ فقال الاعرابي: أن تقوم من مقامك وتأخذه بيدك على غير كره منك فإنه كتاب رجل كريم وسيد عليم وحبر حليم بالمؤمنين رؤوف رحيم.
فلما سمع منه معاوية وثب من مكانه وأخذ منه الكتاب بغضب وفكه وقرأه ووضعه تحت ركبتيه ثم قال: كيف خلفت أبا الحسن والحسين؟ قال:
خلفته بحمد الله كالبدر الطالع حواليه أصحابه كالنجوم الثواقب اللوامع إذا أمرهم بأمر ابتدروا إليه وإذا نهاهم عن شئ لم يتجاسروا عليه وهو من بأسه يا معاوية في تجلد بطل شجاع سيد سميدع إن لقي جيشا هزمه وأراده وإن لقي قرنا سلبه وأفناه وإن لقي عدوا قتله وجزاه.
قال معاوية: كيف خلفت الحسن والحسين؟ قال: خلفتهما بحمد الله شابين نقيين تقيين زكيين عفيفين صحيحين سيدين طيبين فاضلين عاقلين عالمين مصلحين في الدنيا والآخرة.
فسكت معاوية ساعة فقال: ما أفصحك يا اعرابي؟ قال: لو بلغت باب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لوجدت الأدباء الفصحاء البلغاء الفقهاء النجباء الأتقياء الأصفياء ولرأيت رجالا سيماهم في وجوههم من أثر السجود حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا بأنفسهم في تلك الشعل لابسين القلوب على مدارعهم قائمين ليلهم صائمين نهارهم لا تأخذهم في الله ولا في ولي الله علي لومة لائم فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحال غرقت في بحر عميق لا تنجو من لجته.
فقال عمرو بن العاص لمعاوية سرا: هذا رجل أعرابي بدوي لو أرضيته بالمال لتكلم فيك بخير.