فلما علم الطرماح بذلك أناخ راحلته ونزل عنها وعقلها وجلس مع القوم الذين يتحدثون.
فلما بلغ الخبر إلى معاوية أمر ابنه يزيد أن يخرج ويضرب المصاف على باب داره فخرج يزيد وكان على وجهه أثر ضربة فإذا تكلم كان جهير الصوت فأمر بضرب المصاف ففعلوا ذلك وقالوا للطرماح: هل لك أن تدخل على باب أمير المؤمنين فقال: لهذا جئت وبه أمرت فقام إليه ومشى فلما رأى أصحاب المصاف وعليهم ثياب سود فقال: من هؤلاء القوم كأنهم زبانية لمالك على ضيق المسالك فلما دنى من يزيد نظر إليه فقال: من هذا الميشوم ابن الميشوم الواسع الحلقوم المضروب على الخرطوم؟! فقالوا: مه يا أعرابي ابن الملك يزيد فقال: ومن يزيد لا زاد الله مزاده ولا بلغه مراده ومن أبوه؟ كانا قدما غائصين في بحر الجلافة واليوم استويا على سرير الخلافة فسمع [يزيد] ذلك واستشاط وهم بقتله غضبا ثم كره أن يحدث دون إذن أبيه فلم يقتله خوفا منه وكظم غيظه وخبا ناره وسلم عليه فقال: يا أعرابي إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام فقال: سلامه معي من الكوفة فقال يزيد: سلني عما شئت فقد أمرني أمير المؤمنين بقضاء حاجتك فقال: حاجتي إليه أن يقوم من مقامه حتى يجلس من هو أولى منه بهذا الامر!! قال: فماذا تريد آنفا قال: الدخول عليه فأمر برفع الحجاب وأدخله إلى معاوية وصواحبه.
فلما دخل الطرماح وهو متنعل قالوا له: اخلع نعليك فالتفت يمينا وشمالا ثم قال: هذا رب الواد المقدس فأخلع نعلي فنظر فإذا هو معاوية قاعد على السرير مع قواعده وخاصته ومثل بين يديه خدمه فقال: السلام عليك أيها الملك العاصي فقرب إليه عمرو بن العاص فقال: ويحك يا أعرابي ما منعك أن تدعوه بأمير المؤمنين؟ فقال الاعرابي: ثكلتك أمك يا أحمق نحن المؤمنون فمن أمره علينا بالخلافة.
فقال معاوية: ما معك يا أعرابي؟ فقال: كتاب مختوم من إمام معصوم فقال: ناولنيه. قال: أكره أن أطأ بساطك. قال: ناوله وزيري هذا وأشار إلى