وكان لخديجة في كل ناحية عبيد ومواشي حتى قيل: إن لها أزيد من ثمانين ألف جمل متفرقة في كل مكان، وكان لها في كل ناحية تجارة، وفي كل بلد مال، مثل مصر والحبشة وغيرها، وكان أبو طالب رضي الله عنه قد كبر وضعف عن كثرة السفر، وترك ذلك من حيث كفل النبي صلى الله عليه وآله، فدخل عليه النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم فوجده مهموما، فقال: ما لي أراك يا عم مهموما؟ فقال: يا ابن أخي اعلم أنه لا مال لنا، وقد اشتد الزمان علينا، وليس لنا مادة، وأنا قد كبرت، وضعف جسمي، وقل ما بيدي، وأريد أن أنزل إلى ضريحي (1)، وأريد أن أرى لك زوجة تسر قلبي يا ولدي لتسكن إليها، ومعيشة يرجع نفعها إليك، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ما عندك يا عم من الرأي؟ قال: اعلم يا بن أخي أن هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس، وهي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة (2)، ويسافرون به، فهل لك يا ابن أخي أن تمضي معي إليها ونسألها أن تعطيك مالا تتجر فيه، فقال: نعم، قم إليها وافعل ما بدا لك.
قال أبو الحسن البكري: لما اجتمع بنو عبد المطلب قال أبو طالب لاخوته: امضوا بنا إلى دار خديجة بنت خويلد حتى نسألها أن تعطي محمدا مالا يتجر به، فقاموا من وقتهم وساعتهم وساروا إلى دار خديجة، وكان لخديجة دار واسعة تسع أهل مكة جميعا، وقد جعلت أعلاها قبة من الحرير الأزرق، وقد رقمت في جوانبها صفة الشمس والقمر والنجوم، وقد ربطته من حبال الإبريسم (3) وأوتاد من الفولاذ، وكانت قد تزوجت برجلين أحدهما اسمه أبو شهاب وهو عمرو الكندي (4)، والثاني اسمه عتيق بن عائذ، فلما ماتا خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وكان لكل واحد منهما أربعمأة عبد وأمة، وخطبها أبو جهل بن هشام وأبو سفيان، وخديجة لا ترغب في واحد منهم، وكان