فبينما هي تحت شجرة إذ رأت طائرا يزق (1) فرخا له، فتحرك نفسها للولد فدعت الله أن يرزقها ولدا فحملت بمريم " فتقبل مني " أي نذري قبول رضى " إنك أنت السميع " لما أقول " العليم " بما أنوي " فلما وضعتها " خجلت واستحيت وقالت منكسة رأسها:
" رب إني وضعتها أنثى " وقيل فيه قولان:
أحدهما: أن المراد به الاعتذار من العدول عن النذر لأنها أنثى، والآخر أن المراد تقديم الذكر في السؤال لها بأنها أنثى لان سعيها أضعف وعملها أنقص، (2) فقدم ذكرها ليصح القصد لها في السؤال بقولها: " وإني أعيذها بك " " والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى " لأنها لا تصلح لما يصلح له الذكر، وإنما كان يجوز لهم التحرير في الذكور دون الإناث، لأنها لا تصلح لما يصلح الذكر له من التحرير لخدمة بيت المقدس لما يلحقها من الحيض والنفاس والصيانة عن التبرج للناس، وقال قتادة: لم يكن التحرير إلا في الغلمان فيما جرت به العادة، وقيل: أرادت أن الذكر أفضل من الأنثى على العموم وأصلح للأشياء " وإني سميتها مريم " وهي بلغتهم العابدة والخادمة فيما قيل، (3) وروى الثعلبي بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية (4) امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " خافت عليها ما يغلب على النساء من الآفات فقالت ذلك، وقيل: إنما استعاذتها من طعنة الشيطان في جنبها التي لها يستهل الصبي صارخا، فوقاها الله وولدها عيسى عليه السلام منه بحجاب، وقيل:
إنما استعاذت من إغواء الشيطان الرجيم إياها " فتقبلها ربها " مع أنوثتها ورضي بها في النذر التي نذرته (5) حنة للعبادة في بيت المقدس، ولم يتقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى