عصاه فمات وبقي قائما سنة، وتم البناء، ثم سلط الله على منسأته الأرضة حتى أكلتها فخر ميتا، فعرف الجن موته وكانوا يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدون من طول قيامه قبل ذلك.
وقيل: إن في إماتته قائما وبقائه كذلك أغراضا: منها إتمام البناء، ومنها أن يعلم الانس أن الجن لا يعلم الغيب وأنهم في ادعاء ذلك كاذبون، ومنها: أن يعلم أن من حضر أجله فلا يتأخر إذ لم يتأخر سليمان عليه السلام مع جلالته، وروي أنه أطلعه الله سبحانه على حضور وفاته فاغتسل وتحنط وتكفن والجن في عملهم، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان آصف يدبر أمره حتى دبت الأرضة.
قال: وذكر أهل التاريخ أن عمر سليمان عليه السلام كان ثلاثا وخمسين (1) سنة مدة ملكه منها أربعون سنة، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ في بناء بيت المقدس بعد أربع سنين مضين من ملكه. وقال رحمه الله: وأما الوجه في عمل الجن تلك الأعمال العظيمة فهو أن الله تعالى زاد في أجسامهم وقوتهم وغير خلقهم عن خلق الجن الذين لا يرون للطافتهم ورقة أجسامهم على سبيل الاعجاز الدال على نبوة سليمان عليه السلام، فكانوا بمنزلة الاسراء في يده، وكانوا تتهيأ لهم الاعمال التي كان يكلفها إياهم، ثم لما مات عليه السلام جعل الله خلقهم على ما كانوا عليه فلا يتهيأ لهم في هذا الزمان شئ من ذلك. انتهى. (2) أقول: لا استبعاد في أن يكونوا مخلوقين خلقة يمكنهم التصور بصورة مرئية ولا استحالة في أن يجعلهم الله مع لطافة أجسامهم قادرين على الاعمال الصعبة كالملك، وسيأتي القول فيهم في كتاب السماء والعالم، وقد مضى في الباب الأول نقلا عن الاحتجاج لذلك وجه.