بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى عرض الدنيا وطولها، ففعل ذلك ونظر يمينا وشمالا، فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه، وكان اسم هدهد سليمان يعفور، واسم هدهد اليمن عنقير، (1) فقال عنقير ليعفور: من أين أقبلت وأين تريد؟ قال: أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان ابن داود، قال: ومن سليمان بن داود؟ قال: ملك الجن والإنس والطير والوحوش والشياطين والرياح، فمن أين أنت؟ قال: أنا من هذه البلاد، قال: ومن ملكها؟ قال:
امرأة يقال لها بلقيس، وإن لصاحبكم سليمان ملكا عظيما، وليس ملك بلقيس دونه، فإنها ملكة اليمن كلها، وتحت يدها اثني عشر ألف قائد، تحت كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ قال: أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء، قال الهدهد اليماني: إن صاحبك ليسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها وما رجع إلى سليمان عليه السلام إلا وقت العصر فلما طلبه سليمان عليه السلام فلم يجده دعا عريف (2) الطيور وهو النسر فسأله عنه، فقال:
ما أدري أين هو؟ وما أرسلته مكانا، ثم دعا بالعقاب فقال: علي بالهدهد، فارتفع فإذا هو بالهدهد مقبلا فانقض (3) نحوه، فناشده الهدهد بحق الله الذي قواك وأغلبك علي إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء، قال: فولى عنه العقاب وقال له: ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك، ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهى إلى المعسكر تلقته النسر والطير فقالوا: توعدك نبي الله، فقال الهدهد: أو ما استثنى نبي الله؟
فقالوا: بلى " أو ليأتيني بسلطان مبين " (4) فلما أتيا سليمان وهو قاعد على كرسيه قال العقاب: قد أتيتك به يا نبي الله، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان، فأخذ برأسه فمده إليه، فقال: أين كنت؟ فقال: يا نبي الله