بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٩٤
علمه وعقله قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي، فلما جاءه الرسول قال له: أجب الملك الان، فخرج يوسف ودعا لأهل السجن بدعاء يعرف إلى اليوم وذلك أنه قال: " اللهم اعطف عليهم بقلوب الأخيار ولا تعم عليهم الاخبار " فهم أعلم الناس بالاخبار إلى اليوم في كل بلدة، فلما خرج من السجن كتب على بابه: " هذا قبور الاحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء " ثم اغتسل عليه السلام وتنظف من درن السجن، ولبس ثيابا جددا حسانا وقصد الملك، قال وهب: فلما وقف بباب الملك قال عليه السلام: " حسبي ربي من دنياي، وحسبي ربي من خلقه، عز جاره وجل ثناؤه ولا إله غيره " فلما دخل على الملك قال: " اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بك من شره وشر غيره " فلما أن نظر إليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية، فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمي إسماعيل عليه السلام، ثم دعا بالعبرانية فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي.
قال وهب: وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا، فكلما كلم الملك يوسف بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان، فأعجب الملك بما رأى منه، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة، فلما رأى الملك حداثة سنة وغزارة علمه قال لمن عنده: إن هذا علم تأويل رؤياي ولم يعلمه السحرة والكهنة، ثم أجلسه وقال له: إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاها، فقال يوسف: نعم أيها الملك، رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غر (1) كشف لك عنهن النيل فطلعن عليك من شاطئه، تشخب أخلافهن (2) لبنا فبينا أنت تنظر إليهن، ويعجبك حسنهن إذا نضب النيل (3) وغار ماؤه وبدا قعره فخرج من حمأته ووحله سبع بقرات عجاف، شعث غبر، مقلصات البطون، (4) ليس لهن ضروع وأخلاف، ولهن أنياب وأضراس، و

(1) الشهب: بياض يتخلله سواد، وفى المصدر: حسان غير عجاف كشف لك عنهن نهر النيل.
(2) شاطئ النهر: جانبه. تشخب أي تسيل. والاخلاف جمع الخلف بالكسر: حلمة ضرع البقر ونحوه.
(3) نضب الماء: غار وذهب في الأرض.
(4) أي انكمشت بطونهن وانضمت. وفى المصدر: ملصقات البطون.
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»
الفهرست