حيث تعبدون ما لا يقدر الدفع عن نفسه; وقيل: معناه: فرجعوا إلى عقولهم وتدبروا في ذلك إذ علموا صدق إبراهيم عليه السلام فيما قاله وحاروا عن جوابه فأنطقهم الله تعالى بالحق " فقالوا إنكم أنتم الظالمون " لهذا الرجل في سؤاله، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها " ثم نكسوا على رؤوسهم " إذ تحيروا وعلموا أنها لا تنطق. (1) وقال البيضاوي: أي انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة، شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ مستعليا على أعلاه. (2) قال الطبرسي: " فقالوا لقد علمت " يا إبراهيم " ما هؤلاء ينطقون " فكيف نسألهم؟
فأجابهم إبراهيم عليه السلام بعد اعترافهم بالحجة " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا " إن عبدتموه " ولا يضركم " إن تركتموه لأنها لو قدرت لدفعت عن أنفسها " أف لكم " تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين " قالوا حرقوه " أي لما سمعوا منه هذا القول قال بعضهم لبعض: " حرقوه " بالنار " وانصروا آلهتكم " أي وادفعوا عنها وعظموها " إن كنتم فاعلين " أي إن كنتم ناصريها، قيل: إن الذي أثار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس فخسف الله به الأرض فهو يتخلخل فيها إلى يوم القيامة، وقال وهب:
إنما قاله نمرود، وفي الكلام حذف، قال السدي: فجمعوا الحطب حتى أن الرجل ليمرض فوصي بكذا وكذا من ماله فيشترى به حطب، وحتى أن المرأة لتغزل فتشتري به حطبا، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار لم يدروا كيف يلقونه فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق، وهو أول منجنيق صنعت فوضعوه فيها ثم رموه " قلنا يا نار " أي لما جمعوا الحطب وألقوه في النار قلنا للنار: " كوني بردا وسلاما على إبراهيم " وهذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه، والمراد: إنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ; وقيل: يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفا لهم. (3) وقال الرازي: اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه: أحدها أن الله