بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٣٩
وأما قوله ثالثا: إنه يلزم إما الامر بالقبيح وإما الجهل فنقول: هذا بناء على أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يكون حسنا في ذاته، ولا ينهى إلا عما يكون قبيحا في ذاته، وهذا قولك بناء (1) على تحسين العقل وتقبيحه وهو باطل، وأيضا إنا نسلم ذلك إلا أنا نقول: لم لا يجوز أن يقال: إنه تعالى الامر بالشئ تارة يأمر لكون المأمور به حسنا، وتارة يأمر لأجل أن ذلك الامر يفعل لمصلحة (2) من المصالح ولو لم يكن المأمور به حسنا، ألا ترى أن السيد إذا أراد أن يروض عبده فإنه يقول له: إذا جاء يوم الجمعة فافعل الفعل الفلاني، ويكون ذلك الفعل من الافعال الشاقة، ويكون مقصود السيد من ذلك الامر ليس أن يأتي ذلك العبد بذلك الفعل بل أن يوطن العبد نفسه على الانقياد والطاعة، ثم إن السيد إذا علم منه أنه وطن نفسه على الطاعة فقد يزيل عنه ذلك التكليف، فكذا ههنا، فلما لم تقيموا الدلالة على فساد هذا الاحتمال لم يتم كلامكم.
والله أعلم انتهى. (3) أقول: لا ريب في وقوع مثل ذلك الامر الذي رفع قبل وقت الامتثال، وإنما الخلاف في توجيهه، فذهبت المعتزلة وأكثر المتكلمين من الامامية إلى أن رفع التكليف قبل الامتثال قرينة دالة على أن الامر لم يكن على ظاهره، بل كان المراد به أمرا آخر غير ما كان متبادرا منه كما في قصة الذبح، فإن رفع التكليف به قرينة على أن الامر إنما كان متوجها إلى مقدمات الذبح، وأما الآخرون فقالوا: إن الامر كان متوجها إلى نفس الذبح لكنه كان مشروطا بعدم النسخ قبل الفعل، فالفريقان متفقان في أنه قد ظهر بعد ذلك أمر كان المتبادر قبل ذلك خلافه، وأن ثمرة هذا التكليف ليس إلا العزم وتوطين النفس على الفعل، وإن الفداء كان لأمر قد ظهر عدم تعلق التكليف به، إما لنسخه وكونه مشروطا بعدم النسخ، أو لانكشاف أن الامر إنما كان متوجها إلى مقدمات الفعل، فإذا تأملت فيما ذكرناه يظهر لك أن الاشكالات الموردة في هذا المقام مشتركة

(1) في المصدر: وهذا بناء. م (2) " ": الامر يفيد صحة مصلحة اه‍. م (3) مفاتيح الغيب 7: 151 - 152. م
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست