حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا، أو على سبيل الهوج (1) والجهل بالتدبير، وإذا كان الخبر عن الله سبحانه بشجاعة أبي بكر معدوما وكان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس من دلالتها في شئ عند أحد من أهل النظر والتحصيل؟
لا سيما ودلائل جبنه وهلعه (2) وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل، وذلك أنه لم يبارز قط قرنا (3) ولا قاوم بطلا ولا سفك بيده دما، وقد شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشاهده، فكان لكل أحد من الصحابة أثر في الجهاد إلا له، وفر في يوم أحد، وانهزم في يوم خيبر، وولى الدبر يوم التقى الجمعان، وأسلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه المواطن مع ما كتب الله عز وجل عليه من الجهاد! فكيف تجتمع دلائل الجبن و دلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لولا أن العصبية تميل بالعبد إلى الهوى؟.
وقال رجل من طياب الشيعة كان حاضرا: عافاك الله أي دليل هذا؟ وكيف يعتمد عليه وأنت تعلم أن الانسان قد يغضب فيقول: لو سامني السلطان هذا الامر ما قبلته، وإن عندنا لشيخا ضعيف الجسم، ظاهر الجبن، يصلي بنا في مسجدنا فما يحدث أمر يضجره وينكره إلا قال: والله لأصبرن على هذا أو لا جاهدن فيه ولو اجتمعت فيه ربيعة ومضر!.
فقال: ليس الدليل على الشجاعة ما ذكرت دون غيره، والذي اعتمدنا عليه يدل كما يدل الفعل والخبر، (4) ووجه الدلالة فيه أن أبا بكر باتفاق لم يكن مؤوف العقل، و لا غبيا ناقصا، (5) بل كان بالاجماع من العقلاء، وكان بالاتفاق جيد الآراء، فلولا أنه كان واثقا من نفسه عالما بصبره وشجاعته لما قال هذا القول بحضرة المهاجرين والأنصار وهو لا يأمن أن يقيم القوم على خلافه فيخذلونه، ويتأخرون عنه ويعجز هو لجبنه أن