كما سخروا، وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم، والدليل على ذلك صعودهم (1) إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب (2) قال: فأخبرني عن السحر ما أصله؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟ قال إن السحر على وجوه شتى: وجه منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة، ولكل عافية عاهة، ولكل معنى حيلة. ونوع منه آخر خطفة وسرعة ومخاريق وخفة. (3) ونوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم.
قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من حيث عرف الأطباء الطب، بعضه تجربة، وبعضه علاج.
قال: فما تقول في الملكين: هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟ قال: إنهما موضع ابتلاء وموقف فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا، ولو يعالج بكذا وكذا لصار كذا، أصناف سحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم: إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم.
قال: أفيقدر الساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب والحمار أو غير ذلك؟ قال: هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك لله في خلقه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهموم والآفة والأمراض، ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته، وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافيين، (4) ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور، ويكشف الستور، والنمام أشر من وطئ على الأرض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب،