لا نبي قط لم يختلف أمته من بعده، وإنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة وتركهم إياه قال: فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟ قال: قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعد الشئ مما فيه منفعة الخلق وصلاحهم، فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئا أفادهم ثم قال الزنديق: من أي شئ خلق الأشياء؟ (1) قال (عليه السلام): لامن شئ، (2) فقال: فكيف يجئ من لا شئ شئ؟ قال (عليه السلام): إن الأشياء لا تخلو أن تكون (3) خلقت من شئ أو من غير شئ فإن كانت خلقت من شئ كان معه فإن ذلك الشئ قديم، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشئ الذي أنشئت منه الأشياء حيا؟ أومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشئ ميتا؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لان الحي لا يجئ منه ميت وهو لم يزل حيا، ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو به من الموت، لان الميت لا قدرة له ولا بقاء قال: فمن أين قالوا أن الأشياء أزلية؟ قال: هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم والأنبياء وما أنبؤوا عنه، وسموا كتبهم أساطير الأولين، ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم، إن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك، وتحرك الأرض ومن عليها، وانقلاب الأزمنة واختلاف الوقت والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان وموت وبلى واضطرار النفس إلى الاقرار بأن لها صانعا ومدبرا، أما ترى الحلو يصير حامضا والعذب مرا، و الجديد باليا، وكل إلى تغير وفناء؟
قال: فلم يزل صانع العالم عالما بالاحداث التي أحدثها أن يحدثها؟ قال:
لم يزل يعلم فخلق ما علم