" فهي كالحجارة " اليابسة لا ترشح برطوبة ولا ينتفض منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق الله تؤدون، ولا من أموالكم ولا من حواشيها تتصدقون، ولا بالمعروف تتكرمون وبه تجودون، ولا الضيف تقرون، ولا مكروبا تغيثون، ولا بشئ من الانسانية تعاشرون وتعاملون " أو أشد قسوة " إنما هي في قساوة الأحجار أو أشد قسوة أبهم على السامعين ولم يبين لهم، كما يقول القائل: أكلت خبزا أو لحما، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت، بل يريد أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ماذا أكل وإن كان يعلم أنه ما قد أكل، وليس معناه: بل أشد قسوة، لان هذا استدراك غلط، وهو عز وجل يرتفع أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط، لأنه العالم بما كان وبما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص، ولا يريد به أيضا: فهي كالحجارة أو أشد قسوة، أي وأشد قسوة، لان هذا تكذيب الأول بالثاني، لأنه قال: فهي كالحجارة في الشدة لا أشد منها ولا ألين، فإذا قال بعد ذلك: أو أشد فقد رجع عن قوله الأول، لأنه ليس بأشد، وهذا مثل لمن يقول: لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير، (1) فأبهم عز و جل في الأول حيث قال: " أو أشد " وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله: " أو أشد قسوة " بل بقوله تعالى: " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار " أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير، وفي الحجارة ما يتفجر منه الأنهار فيجئ بالخير والغياث لبني آدم " وإن منها " من الحجارة " لما يشقق فيخرج منه الماء " وهو ما يقطر منها الماء، فهو خير منها دون الأنهار التي يتفجر من بعضها، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج منها قليل من الخيرات وإن لم يكن كثيرا، ثم قال عز وجل: " وإن منها " يعني من الحجارة " لما يهبط من خشية الله " إذا اقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من
(٣١٣)