بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ١٣١
مال هذا الرسول يأكل الطعام " كما نأكل " ويمشي في الأسواق " لطلب المعاش كما نمشي، وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات، فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية، وإنما هو بأحوال نفسانية. (1) وفي قوله: " وجعلنا بعضكم " أي الناس " لبعض فتنة " أي ابتلاء، ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم " أتصبرون " علة للجعل، والمعنى:
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة لنعلم أيكم يصبر؟. (2) وفي قوله: " كذلك لنثبت به فؤادك " أي كذلك أنزلناه متفرقا لنقوي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه، لان حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان أميا وكانوا يكتبون، فلو القي إليه جملة لتعيى بحفظه، (3) ولان نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وخوض في المعني، ولأنه إذا نزل منجما (4) وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه، ولأنه إذا نزل به جبرئيل عليه السلام حالا بعد حال يثبت به فؤاده، ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ، ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على البلاغة " ورتلناه ترتيلا " أي وقرأناه عليك شيئا بعد شئ على تؤدة وتمهل في عشرين سنة، أو في ثلاث وعشرين سنة، " ولا يأتونك بمثل " بسؤال عجيب " إلا جئناك بالحق " الدامغ له في جوابه " وأحسن تفسيرا " أي ما هو أحسن بيانا أو معنى من سؤالهم، أو لا يأتونك بحال عجيبة يقولون:
هلا كانت هذه حاله؟ إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وما هو أحسن كشفا لما بعثت له. (5) وفي قوله: " وكان الكافر على ربه ظهيرا " يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك " إلا من شاء " أي إلا فعل من شاء " أن يتخذ إلى ربه سبيلا " أن يتقرب إليه، فصور ذلك بصورة الاجر من حيث إنه مقصود فعله، واستثناه منه قلعا لشبهة الطمع و إظهارا لغاية الشفقة، حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن

(1) أنوار التنزيل 2: 155. (2) أنوار التنزيل 2: 159.
(3) كذا في النسخ. (4) أي في أوقات معينة.
(5) أنوار التنزيل 2: 162.
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست