تعالى رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشعوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته. ورجل قمش جهلا فوضعه في جهال الأمة، غارا في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة، قد سماه أشباه الرجال عالما وليس به، بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن وأكثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، إن خالف من سبقه لم يأمن من نقض حكمه من يأتي من بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزل به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهل خباط جهلات، غاش ركاب عشوات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم، لا مليئ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا يحسب العلم في شئ مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما بلغ منه مذهبا لغيره، وإن قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، يصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث، إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون ضلالا.
وروي أنه عليه السلام قال بعد ذلك: أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته، فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيكم محمد صلى الله عليه وآله فأنى يتاه بكم؟! بل أين تذهبون؟! يا من نسخ من أصلاب السفينة، هذه مثلها فيكم فاركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجا فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسما حقا، وما أنا من المتكلفين، والويل لمن تخلف ثم الويل لمن تخلف، أما بلغكم ما قال فيكم نبيكم صلى الله عليه وآله حيث يقول في حجة الوداع:
اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، ألا هذا عذب فرات فاشربوا، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا.