المؤمنين صلوات الله عليه: إن لله عبادا كسرت قلوبهم خشبته، وأسكتتهم عن النطق وإنهم لفصحاء عقلاء، يستبقون إلى الله بالاعمال الزكية، لا يستكثرون له الكثير، ولا يرضون له من أنفسهم بالقليل، يرون في أنفسهم أنهم أشرار، وإنهم لأكياس (1) وأبرار.
بيان: لعل المراد بالعجز الترك، وتعجيز النفس والكسل لا عدم القدرة أي إن الله يؤاخذ بترك شكر النعمة كما يؤاخذ بفعل السيئة ولو في الدنيا بزوال النعمة. والاستباق:
المسابقة في الرهان، أي يسبق بعضهم بعضا في التقرب إلى الله بالاعمال الطاهرة من آفاتها، أو النامية. والكياسة: العقل والفطنة.
يا هشام الحياء من الايمان والايمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار.
بيان: البذاء بفتح الباء ممدودا. الفحش وكل كلام قبيح. والجفاء ممدودا:
خلاف البر والصلة، وقد يطلق على البعد عن الآداب، قال المطرزي: الجفاء: الغلظ في العشرة، والخرق في المعاملة، وترك الرفق.
يا هشام المتكلمون ثلاثة: فرابح، وسالم، وشاجب: فأما الرابح فالذاكر لله وأما السالم فالساكت، وأما الشاجب فالذي يخوض في الباطل إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه. وكان أبو ذر رضي الله عنه يقول: يا ميتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير، ومفتاح شر، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك (2).
بيان: المراد بالمتكلمين القادرون على التكلم، أو المتكلمون والمجالسون معهم تغليبا، والحاصل أن الناس في أمر الكلام على ثلاثة أصناف. والشجب: الهلاك و الحزن والعيب. قال الجزري: في حديث الحسن: المجالس ثلاثة: فسالم وغانم و شاجب أي هالك يقال: شجب يشجب فهو شاجب، وشجب يشجب فهو شجب. أي إما سالم من الاثم، أو غانم للاجر، وإما هالك آثم.