فرأيت الصبر على هاتي أحجى لي، وفى العين قذى، وفى الحلق شجا، بين أن أرى تراث محمد صلى الله عليه وآله نهبا، إلى أن حضرته الوفاة، فأدلى بها إلى عمر، فيا عجبا، بينما هو يستقيلها في حياته، إذ عهد بها وعقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها، ثم تمثل:
شتان ما يومى على كورها ويوم حيان أخي جابر فعقدها والله في ناحية خشناء، يخشن مسها ويغلظ كلمها، ويكثر العثار والاعتذار فيها، فصاحبها منها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها عسفت به.
فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلون واعتراض إلى أن مضى لسبيله، فجعلها شورى بين ستة زعم أنى أحدهم، فيا للشورى ولله، متى اعترض الريب في مع الأولين فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر، ولكن أسففت مع القوم حيث أسفوا، وطرت مع القوم حيث طاروا، وأصبر لطول المحنة وانقضاء المدة، فمال رجل لضغنه، وأصغى آخر إلى صهره، مع هن وهن، إلى أن قام الثالث، نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه منها، وأسرع معه بنو أبيه في مال الله، يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع، حتى انتكثت به بطانته، وأجهز عليه عمله.
فما راعني من الناس إلا وهم رسل كعرف الضبع، يسألوني أبايعهم وأبى ذلك وانثالوا على حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفا رداى، فلما نهضت بها وبالأمر فيها، نكثت طائفة، ومرقت طائفة، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله يقول: ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين﴾ (1) بلى والله لقد سمعوها، ولكن راقهم دنياهم، وأعجبهم زبرجها.
أما والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، ولزوم