الليل سدوله (1)، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه الآن وهو يقول:
يا دنيا يا دنيا أبى تعرضت أم لي تشوقت؟ هيهات هيهات غري غيري قد ابنتك (2) ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.
قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته (3)، فما يملكها، وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، ثم قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك فكيف (4) كان حبك إياه؟ قال: كحب أم موسى لموسى، واعتذر إلى الله من التقصير، قال: فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى عبرتها، ولا يسكن حزنها.
ثم قال (5) وخرج وهو باك، فقال معاوية: اما لو أنكم فقدتموني لما كان فيكم من يثنى على مثل هذا الثناء، فقال له بعض من كان حاضرا: الصاحب على قدر صاحبه (6).
وهذا الخبر من مشاهير الاخبار، متكرر في الكتب والاسفار.