استقلها فقال: ويحك يا سليمان بل هي عشرة آلاف حديث كما قلت أولا، ثم قال: فجثا أبو جعفر على ركبتيه، وهو فرح مسرور (1)، لأحدثنك (2) يا سليمان بحديثين في فضائل علي عليه السلام، فان يكونا معا سمعت ووعيت فعرفني وان لم يكونا مما لم تسمع، فاسمع، وافهم، قلت: نعم، يا أمير المؤمنين فأخبرني قال: نعم، انا أخبرك انى كنت (3) أياما وليالي هاربا من بنى مروان، ولا تسعني منهم دار ولا قرار، ولا بلد، ادور في البلدان، فكلما دخلت بلدا، خالفت أهل ذلك البلد فيما يحبون، وأتقرب إلى جميع الناس بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام، وكانوا يطعمونني، ويكسونني ويزودونني إذا خرجت من عندهم، من بلد إلى بلد، حتى قدمت إلى بلاد الشام (4)، وعلى كساء لي خلق ما يواريني.
قال: فبينما انا كذلك، إذ سمعت الاذان فدخلت المسجد، فإذا سجادة ومتوضأ، فتوضأت للصلاة، ودخلت المسجد، فركعت ركعتين فيه، وأقمت الصلاة، فصليت معهم الظهر والعصر، وقلت في نفسي: إذا اتى الليل طلبت من القوم عشاء أتعشى به ليلتي تلك (5).
فلما سلم الشيخ من صلاة العصر جلس، وهو شيخ كبير. له وقار وسمعت حسن ونعمة ظاهرة (6) إذ اقبل صبيان، وهما أبيضان نبيلان، ولهما جمال ونور ساطع، عيناهما تلألئان فدخلا المسجد، فسلما فلما نظر اليهما امام