مختصر البصائر - الحسن بن سليمان الحلي - الصفحة ١٧
وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
فلما حدث بهذا الحديث أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول للمتوكل: هذا رجل من أهل المدينة! ولم يزل به حتى تركه.
قال الخطيب: إنما أمر المتوكل بضربه لأنه ظنه رافضيا، فلما علم أنه من أهل السنة تركه (1).
وكتب المنتصر العباسي إلى بعض عماله: أن لا يقيل علوي ضيعة، ولا يركب فرسا، ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطرافها، وأن يمنعوا من اتخاذ العبيد إلا عبدا واحد، وإن كانت بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة من سائر الناس، قبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة (2).
وفي التاريخ نصوص كثيرة ومشاهد متنوعة، تستعرض فيها سياسة العباسيين تجاه خصومهم العلويين، أعرضنا عنها صفحا، لضيق المجال، فهذه المقدمة لا تسع تفاصيل لؤمهم وضروب حقدهم، ويكفيك أن تتصفح كتاب (مقاتل الطالبيين) لتطلع على فنون إرهاب العباسيين والتنكيل ببني عمومتهم.
نعم تلك صور منتقاة من تاريخنا الملئ بهذه المشاهد والفجائع، وتلك لمحات من معارض ظلمات العصر الجاهلي ومآسيه الكئيبة، التي عانى منها رجالنا الأفذاذ عبر السنين.
ومن هذا يظهر عمق الخطورة، وجسامة الوقيعة، وفداحة الخطب الذي ألم به وعاشه مبلغوا الأحكام، ورجال الحديث، وامناء الإسلام، وحفاظ الوحي والتنزيل، ووالله لا أجد مصداقا واقعيا، ولا شاهدا حيا جليا للآية الكريمة القائلة

١ - تاريخ بغداد ١٣: ٢٨٧.
2 - الولاة وكتاب القضاة: 204 لمحمد بن يوسف الكندي المصري.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 23 ... » »»