يحيى من المدينة فلما اجتمعا قال الزبيري ليحيى: سعيتم علينا وأردتم نقض دولتنا.
فالتفت إليه يحيى وقال: من أنتم؟ فغلب الرشيد الضحك حتى رفع رأسه إلى السقف لئلا يظهر منه، ثم قال يحيى: يا أمير المؤمنين أترى هذا المشنع على؟
خرج والله مع أخي محمد بن عبد الله جدك المنصور وهو القائل من أبياته:
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا إن الخلافة فيكم يا بنى حسن وليس سعايته يا أمير المؤمنين حبا لك ولا مراعاة لدولتك، ولكن والله بغضا لنا جميعا أهل البيت، ولو وجد من ينتصر به علينا جميعا لفعل وقال باطلا وأنا مستحلفه فان حلف إني قلت ذلك فدمي لأمير المؤمنين حلال فقال الرشيد:
إحلف له يا عبد الله. فلما أراده يحيى على اليمين تلكأ وامتنع فقال له الفضل: لم تمتنع وقد زعمت آنفا أنه قال ذلك؟ قال عبد الله: فانى أحلف له. فقال له يحيى قل:
(تقلدت الحول والقوة دون حول الله وقوته إلى حولي وقوتي إن لم يكن ما حكيته عنك صحيحا حقا). فحلف له فقال يحيى: الله أكبر حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب " ع " عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ما حلف أحد بهذه اليمين كاذبا الا عجل الله له العقوبة بعد ثلاث. والله ما كذبت وها أنا يا أمير المؤمنين بين يديك فتقدم بالتوكيل بي، فان مضت ثلاثة أيام ولم يحدث على عبد الله بن معصب حدث فدمي لأمير المؤمنين حلال، فقال الرشيد للفضل: خذ بيد يحيى فليكن عندك حتى أنظر في أمره. قال الفضل:
فوالله ما صليت العصر من ذلك اليوم حتى سمعت الصائح من دار عبد الله بن مصعب فأمرت من يتعرف خبره فعرفت أنه قد أصابه الجذام، وأنه قد تورم واسود. فصرت إليه فما كدت أعرفه لأنه صار كالزق العظيم، ثم اسود حتى صار كالفحم، فصرت إلى الرشيد فعرفته خبره فما انقضى كلامي حتى أتى خبر وفاته فبادرت الخروج وأمرت بتعجيل أمره والفراغ منه، وتوليت الصلاة عليه ودفنته فلما دلوه في حفرته لم يستقر فيها حتى انخسفت به وخرجت منها رائحة مفرطة في النتن