علي، حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى ما فيه!، فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم وما أمر به، فحفر الحفارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله في أنفسهم، ونحن في ناحية، حتى نزلوا خمسة أذرع فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون:
قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره، فأنزلوا الحبشي، فأخذ المنقار فضرب ضربة فسمعنا لها (1) طنينا شديدا في البرية (2)، ثم ضرب ثانية، فسمعنا طنينا أشد من ذلك، ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد مما تقدم، ثم صاح الغلام صيحة، فقمنا وأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه سلوه ماله (3)، فلم يجبهم وهو يستغيث، فشدوه وأخرجوه بالحبل، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم! لا يكلمنا ولا يخبر جوابا، فحملناه على البغل ورجعنا طائرين، ولم يزل لحم الغلام ينثر من عضده وجسمه (4) وسائر شقه الأيمن، حتى انتهينا إلى عمي فقال: أيش وراءكم؟ فقلنا: ما ترى! وحدثناه بالصورة، فالتفت إلى القبلة وتاب عما هو عليه ورجع عن مذهبه (5)، وتولى وتبرأ، وركب بعد ذلك في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر فسأله ان على القبر صندوقا، ولم يخبره بشي مما جرى، ووجد من طم الموضع وعمر الصندوق عليه، ومات الغلام الأسود من وقته (6).